وكان على بك قد أحيا وشيكا حكم البكوات، أو قل المماليك فى مصر. وهرع أبو الذهب، نائب على بك، إلى الشام واستولى على دمشق، ثم تمرد على على بك فحمله على بك على الالتجاء إلى الظاهر حليفه الجديد وبدأ ظاهر الذى كان فى عنفوانه لم تنزل به آية نازلة بسجن جنود عثمان باشا الوالى التركى لدمشق، ثم استولى على صيداء.
وجهز الباب العالى جيشًا كبيرًا، وكان فى استطاعة ظاهر أن يعتمد على معونة المتولية، وعلى بضعة مئات من المماليك الذين كانوا قد صحبوا على بك، ثم على أسطول من مراكب الروس الحربية بقيادة أمير البحر أورلوف كان يجوب شرقى البحر المتوسط منذ سنة ١٧٧٠ ووقع الاشتباك على طول الساحل بالقرب من صيداء، وحسمت نيران هذا الأسطول المعركة (مايو سنة ١٧٧٠) وهنالك مضى الروس إلى قذف بيروت ثم نهبوها. واستغل ظاهر هذا النصر الكبير، وسارع إلى مد سلطانه على أعمال فلسطين، ودانت هذه البلاد لسلطانه من صيداء إلى الرملة. ثم بدأ الحظ يقلب له ظهر المجن، فقد استدرج على بك إلى العودة إلى مصر، وهناك حلت به الهزيمة وقتل. ولما تم الخلاص من على بك عاد أبو الذهب إلى الظهور فى فلسطين. واستولى على الثغور التى كانت هى حوزة ظاهر، وتقدم إلى عكا إلا أن المنية عاجلته (يونية ١٧٧٥). على أن الأسطول التركى ضرب حصارًا على عكا بعد استيلائه على صيداء، وكان ظاهر قد اعتصم بعكا. ولم يحدث قذف عكا بالقنابل أثرًا فى الأسوار القديمة التى كان الصليبيون قد شيدوها، إلا أن ذهب الترك أتى بنتيجة أفعل، وقام عصيان فى الحامية فأصابت رصاصة ظافرًا فقتلت فى الحال ذلك الزعيم البدوى الشيخ (أغسطس ١٧٧٥) الذى ظل يتحدى سلطان الباب العالى ربع قرن من الزمان. وظلت ذكراه حية فى نفوس أهل سورية، ولم يكن المسيحيون الذين بسط عليهم حمايته هم آخر من أسف على مصرعه.