وقد بقى لنا عدد من الروايات عن عائشة ترجع إلى السنوات المتأخرة من حياة النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، وهى تصوره [بعد زواجهما] فى صورة المحب الصادق لها وتظهرها بمظهر المتعلقة به كل التعلق. على أن هذه الروايات لا تبرر الرأى الذى ذهب إليه لامنس (Le Triunrvirat M.F.O.B, Abou Bakretc: Lammens, جـ ٤) بقوله: ومع ذلك فقد كان بين زوجات النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فيما يبدو حزبان، أحدهما تقوده عائشة وحفصة بنت عمر، وينتصر لسياسة أبويهما، والآخر تقوده أم سلمة من قبيلة مخزوم المكية. والراجح أن التنافس بين هذين الحزبين لم يكن له فى السياسة إلا أثر ضئيل. ولما أحس النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بدنو أجله سأل زوجاته أن يتفقن على أن يأوى إلى حجرة عائشة ويخلد إليها. وراحت عائشة ترعاه فى أيام مرضه القليلة، ثم دفن فى أرض حجرتها، وكذلك دفن فيها أبو بكر وعمر.
ولما زاد سلطان محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] زادت حياة زوجاته يسرًا وارتفعت مكانتهن فى المجتمع ولقبن بأمهات المؤمنين (سورة الأحزاب، الآية ٥)(١)، وحرم عليهن الزواج بعد النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-](سورة الأحزاب، الآية ٥٣). وهكذا ترك النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عائشة أرملة لا عقب لها وقد بلغت من العمر حوالى ثمانية عشر عامًا، وظل أبوها يلى الخلافة سنتين، ثم وليها عمر عشر سنين. وكانت تربط عائشة بعمر علاقات ودية طيبة، وإن كانت لم تشارك على ما يبدو فى الشئون العامة على أنها شاركت بنصيب بارز فى المعارضة التى قامت فى وجه الخليفة الثالث عثمان، ولو أنها لم تكن على اتفاق مع جماعة المتمردين المسئولين عن مقتله ولا مع حزب علىّ. وقد أعلنت صراحة معارضتها لمقتل عثمان، ومع ذلك فإنها تركت المدينة إلى مكة قاصدة الحج. وقد رويت عدة بواعث لخروجها من الدينة إلى مكة فى هذه الأزمة. ولعل أهمها هو رغبتها فى أن تساعد فى مكة على تنظيم جماعة القوم الذين كانوا يرون رأيها.