بعيد وفاتها إمام مسجد المنوبة. وقد أظهرت عائشة وهى بعد فتاة صغيرة كرامات ترهص بولايتها المقبلة. ولما بلغت سن الزواج وجدت أن الزواج يحول بينها وبين تحقيق رسالتها للصوفية فأبت أن تنصاع لرغبة والديها فى تزويجها من ابن عمها، وهربت إلى تونس حيث لجأت إلى "قيسارية"(وهى نوع من خانات القوافل) خارج باب الفلاق العتيق (جنوبى شرق تونس، وقد عرف من بعد بباب الجرجانى)، وهنالك قضت حياتها تنعم بشهرة عظيمة فى الولاية، وخاصة بين الطبقات الدنيا، ولو أن بعض فقهاء الشريعة أظهروا لها العداوة وتقول الروايات الشفهية أنها أخذت العهد على الصوفى المشهور أبى الحسن الشاذلى الذى كان فى حياتها يقيم فى تونس، ولكن لم ترد أية إشارة إلى ذلك فى مناقب هذا الولى، ولا فى مناقب مريديه. وتوفيت عائشة فى سن عالية فى ٢١ رجب سنة سنة ٦٥٥ (٢٠ أبريل سنة ١٢٥٧) أو فى ١٦ شوال سنة ٦٥٣ (١٩ نوفمبر سنة ١٢٥٥) ودفنت فى مقبرة نسبت إليها فعرفت بمقبرة الشرف؛ وقد حدث فى أوائل هذا القرن أن اعتقد رجل من غلاة مريديها أنه عثر على قبرها؛ وأقام هناك ضريحًا خشبيًا لم يلبث أن أصبح مزارًا لنساء تونس على أن المكان الذى عاشت فيه هذه الولية مضى يجتذب إليه المؤمنين بها، وخاصة النساء، وهو يحمل اليوم اسم المنوبية، وقد نشأت طائفة من المبانى حول القيسارية على مدى القرون، تشتمل على منبر، وحجرات للزوار، ومساكن خاصة، بل بعض الحوانيت. وزيارة (ميعاد) الضريح تكون للرجال أيام الخميس، وللنساء أيام الاثنين.
وكذلك أسبغ على البيت القائم فى القرية التى ولدت فيها عائشة توقيرًا خاصًا، ذلك أنه تحول فى عهد محمد الصادق (١٨٥٩ - ١٨٨٢) الباى الحسينى إلى عمارة ضخمة تضم زاوية، ومساكن خاصة، وصحنا واسعًا مغطى كانت تجتمع فيه الرباطات الدينية. أما فى وقتنا الحاضر الذى ضعف فيه الاعتقاد فى الولاية. فقد هجرت هذه المبانى القائمة فى المنوبة. وقد نظم فى مدح السيدة لالا عائشة