استمر حكمه كمؤسس لإمارة قرطبة الأموية ما ينيف على ثلاث وثلاثين سنة، قضى معظمها فى تدعيم مكانته فى القسم الشرقى من الأندلس الذى سرعان ما تدفق عليه سيل من الأمويين والمؤيدين له ليعملوا جميعا على إعادة الأسرة الأموية التى سقطت فى الشرق، لكن ما لبث عبد الرحمن أن وجد نفسه يواجه مشكلات متباينة سياسية جمة، أولها ما يجب عليه من كسر شوكة الوالى السابق يوسف الفهرى الذى لم يعدم التفاف كثير من المتمردين حوله فسعى بهم إلى استرداد قرطبة، لكنه فشل ودارت عليه الدائرة سنة ١٤١ هـ (٧٥٨ م)، ثم قتل فى السنة التالية قرب طليطلة.
وحدث فى هذا الوقت -كما هو الحال أيام الولاة السابقين- أن أخذت فلول الثورة تتجمع ضده فى كل ناحية من نواحى المملكة الجديدة، فاضطرب حبل الأمن على يد المسلمين الأسبان الجدد ومن معهم من بربر المناطق الجبلية، وزاد فى مضايقته ما كان بين القبائل العربية بعضها وبعض من العداوات والثأر، وبذلك أصبح الواجب على عبد الرحمن الداخل أن يقضى على أشكال شتى من الثورة، من ذلك مثلا ثورة الزعيم العربى "العلاء بن مغيث الجذامى" سنة ١٤٦ هـ (٧٦٣ م)، وثورة "شقيا البربرى سنة ١٥٢ هـ (٧٦٩ م) فى إقليم "شنت مرية" المعروف الآن بإقليم "كونيكا".
كما تجمع بعدئذ رهط من شيوخ العرب فى القسم الشرقى من شبه الجزيرة وتحالفوا فيما بينهم ضد عبد الرحمن الداخل، والتمسوا المعونة من "شارلمان" ملك الفرنجة فاستجاب لندائهم وهبَّ لمساعدتهم واجتاز جبال البرانس على رأس جيش كبير من الفرنجة وحاصر "سرقسطة" سنة ١٦٢ هـ (٧٧٨ م)، إلا أن شارلمان اضطر لرفع الحصار والرجوع إلى بلاد الراين لاضطراب الأمور هناك، غير أن عصابات من "الباشكنس" هاجمت مؤخرة جيشه عند موضع يعرف بشيروى، وقضت على بعضه، ومن هنا ظهرت أنشودة رولاند دوق بريتانى، وإذ ذاك قام عبد الرحمن الداخل