على إجلاله والإعجاب به، واستطاع ابن عمر أن يقف بمنأى عن الصراع وقت الفتنة، فضلا عن التزامه بتعاليم الإسلام التزاما دقيقا إلى حد أنه غدا قدوة تقتدى بها الأجيال التالية. وتواترت الأخبار عن أدق تفاصيل حياته، ماذا يرتدى؟ وكيف يشذب لحيته ويصبغها؟ وتراجم سيرته حافلة باللمسات الساحرة التى ترسم صورة لما فطر عليه من الفطنة وعمق التقوى ودماثة الخلق وتواضع ولباقة وكبح النفس وقدرة على التجرد من كل ما يمكن أن يفتنه. وقد تكون بعض هذه الأخبار مختلقة ولكن مما لا جدال فيه أنه شخص فطر على النبل الذى لا يجاريه أحد فيه، وبوصفه أحد رواة الحديث النبوى كان من أكثر الرواة حرصا ودقة لقد عُرضت عليه الخلافة ثلاث مرات: واحدة بعد وفاة عثمان مباشرة (٣٥ هـ / ٦٥٥ م) وثانية حين تشاور المحكمان لحل النزاع الذى نشب فى صفين بين على ومعاوية عام (٣٧ - ٣٨ هـ / ٧٥٨ م) وأخيرا بعد وفاة يزيد بن معاوية عام (٦٤ هـ / ٦٨٣ م) وكان يرفض هذا العرض فى كل مرة لأنه يريد أن تكون البيعة بإجماع الآراء وحقنا للدماء.
وُلد قبل الهجرة فى تاريخ ليس بين أيدينا ما يؤكده اعتنق الإسلام مع والده وسبقه فى الهجرة إلى المدينة، وحين قدم نفسه للنبى لكى يشارك فى غزوتى بدر وأحد رده الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لصغر سَنه ولكنه سمح له بالاشتراك فى رفع الحصار عن المدينة يوم بلغ الخامسة عشرة تقريبًا. كما اشترك فى غزوة مؤتة عام ٧ هـ وفى فتح مكة سنة ٨ هـ وفى المعارك التى وقعت مع مسيلمة الكذاب [الذى ادعى النبوة] ومع طليحة عام ١٢ هـ وفى الحملة على مصر (عام ١٨ - ٢١ هـ) وفى معركة نهاوند. وفى الحملة على جرجان وطبرستان عام ٣٠ هـ، وفى حملة يزيد على القسطنطينية (عام ٤٩ هـ). أما فى أمور السياسة فقد ظهر فيها لأول مرة حين شكل الخليفة عمر -وهو يحتضر مجلسا لاختيار من يخلفه فى الخلافة من أعضاء هذا المجلس نفسه حيث أمر باللجوء إليه للمشورة دون أن يكون له صوت معدود. وظل طوال حياته يلزم جانب الأغلبية فى أى بيعة تتم لأى