التباينات ضرورة يقتضيها قيام دولة ناجحة ويتطلب قيادة رشيدة، وقدرة على التوصل إلى توازن بين البريطانيين والقوميين من جهة وبين شتى المجموعات الوطنية من جهة أخرى. وقد نجح فيصل فى الوصول إلى مثل هذا التوازن، ومن ثم كان موته الفجائى سنة ١٩٣٣ م خسارة لا تعوض، وحينذاك أخذ العراق يمر بفترة شديدة الخطورة زادها حِدّة ما عرف بالمذبحة الأشورية، كما شبت الاضطرابات القبلية واندلعت روح الثورة القوية ضد البريطانيين فهددت كلها أسس الدولة الحديثة ولم يكن الملك غازى (خليفة فيصل وولده) بالرجل المتمرس الخبير بل كانت تنقصه حنكة أبيه حتى يدعم الاستقرار السياسى، فانغمس -رغم أنفه- فى سياسات البلد الحزبية، ففى الوقت الذى كانت فيه جماعات معينة تعمل على إشعال الثورات القبلية لتنحية خصومهم كانت هناك جماعات أخرى تلتمس تأييد الجيش ومعاونته لها للاستحواذ على السلطة السياسية، فنجم عن ذلك حدوث انقلاب ١٩٣٦ م العسكرى الذى قاده "بكر صدقى" بالاتفاق مع حكمت سليمان وبمعاونة مجموعة الإصلاح السياسى المعروفة بحزب الأهالى وانتهت حركة بكر صدقى بعد عشرة أشهر بحركة انقلاب أخرى، وكان التدخل العسكرى فى السياسة سابقة خطيرة فقد شاهدت البلاد بسببه سبعة انقلابات فيما بين ١٩٣٦ و ١٩٤١ م، وفى هذه الفترة أدّى انتعاش الروح الوطنية المعادية لبريطانيا التى وجدت سندًا من دول المحور، كما أن السياسة البريطانية فى فلسطين ساعدت على تيسير الأمور أمام رشيد عالى الكيلانى لإقامة نظامه المؤيد للنازية واستيلائه على مقاليد السلطة فى أبريل ١٩٤١ م وإعلانه عدم تقيده بالالتزامات التى تفرضها اتفاقية ١٩٣١ م، وكان رد الفعل هو قيام الجيش الأردنى تحت القيادة البريطانية فى سنة ١٩٤١ م