ولعل من أكثر الإسهامات إيجابية وإثارة ما نجده فى مجال العمائر المدنية المتعلقة بالمنافع العامة، وهى إن كانت ليست مجال جذب كبير لمؤرخى الفنون إلا أنها مادة خصبة لمؤرخى الحضارة.
إن الأبحاث الأخيرة المتعلقة بنظم حفر القنوات وتوزيع مياه الرى الذى أتاح استغلال الأراضى خلال العصرين الأموى والعباسى، أتاحت توثيق هذا الموضوع بشكل جديد على أساس التصوير الجوى والفحوص الجيولوجية.
وعثر فى نفس الوقت على نمط من الجوامع من جهة، وعلى نمط لمقر ملكى [قصر] من جهة ثانية يرجعان إلى فترة الفتح الإسلامى الأولى لتلك البلاد، كما أنهما يختلفان عن النماذج السورية المؤرخة بنفس الفترة والتى كانت حتى ذلك الوقت، تعتبر الأمثلة الأولى للفن فى تلك الفترة.
وقد اكتُشف مسجد بسيط فى إسكاف بنى جنيد على الضفة الغربية لقناة النهروان وأيضًا اكتشف مسجد فى واسط فى موضع العاصمة التى بناها والى العراق الشهير الحجاج للخليفة عبد الملك بن مروان فيما بين عامى ٨٣ و ٨٦ هـ/ ٧٠٣ - ٧٠٦ م. وعلى ذلك فقد زودتنا هذه الاكتشافات بتخطيطات أكثر دقة عن تلك التى اعتمدت على التفسيرات الجدلية [أى التى اعتمدت فحسب على الروايات التاريخية دون العثور على أدلة أثرية تؤكدها أو تنفيها] كما هو الحال فى كل من جامعى البصرة والكوفة الشهيرين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه على الرغم من عدم إتمام الحفائر ونشر نتائجها، فإن القصور الرائعة التى اكتُشفت فى نفس مواقع واسط وإسكاف بنى جنيد وأيضًا بجوار جامع الكوفة قد زودتنا بنماذج كثيرة عن دار الإمارة أو قصر الإمارة الذى بنى فى ذلك الوقت داخل المدن الإسلامية الجديدة.
وتختلف هذه القصور اختلافًا بينًا من حيث ترتيب بيوتها الداخلية (وهى تشبه ما اكتشف مؤخرًا فى المنازل والقصور العباسية) عن النماذج المعاصرة لها فى القصور الشامية.
والنتائج التى يمكن أن نخرج بها من هذه الحقائق قد سبق أن ألمحنا إليها بشكل يسير، ولكنها تقودنا إلى إدراك