نبوغًا غير مسبوق، ولابد أن نذكر أولًا صناعة الخزف، وربما لا نشير إلى الخزف المزجج (حيث كان مركز إنتاجه الرئيسى فى الرقة التى تقع الآن خارج نطاق العراق الحالية). ولكن سنشير على الأقل إلى الخزف غير المزجج ذى الزخارف البارزة والذى يعتبر اليوم من أحسن القطع الفنية التى أنتجتها الموصل.
وقد وجدت فى الموصل أيضًا مدرسة مزدهرة لصناع المعادن من النحاس والبرونز والذين تركوا عددًا كبيرًا من التحف المؤرخة والممهورة بتوقيعاتهم، والتى تتميز بجودة زخارفها المكفتة بالذهب والفضة.
كما تعتبر هذه الأعمال مصدرًا للمعلومات عن المصانع التى صنعت بها، وعن عائلات الصناع الذين أجادوا صناعتها، والأساليب الصناعية التى استخدموها فى صنعها.
وقد عرف العراق، علاوة على ما سبق، خلال تلك الفترة أيضًا فن التصوير (والذى أطلق عليه أحيانًا اسم المدرسة العربية فى التصوير ولكنه فى الواقع من إنتاج مجتمع مختلط يختلف تمامًا عما كان موجودًا خلال العصر العباسى الذهبى الذى يتمثل فى أعمال هامة وبخاصة المخطوطات المزوقة بالتصاوير التى أنتجتها المدرسة العراقية على أوسع نطاق (وتقسم هذه المدرسة أحيانًا إلى مدرسة شمال العراق [أى مدرسة الموصل] ومدرسة بغداد على وجه الخصوص ولكن دون تحديد فروق واضحة بينهما).
هذا ويعد تصوير مناظر الحياة اليومية لذلك العصر فى العديد من التصاوير الموجزة والمعبرة بمثابة ميلاد فن تصوير المخطوطات الذى كُتب له أن يحتل مكانة هامة بين الفنون الإسلامية فى العصور المتأخرة، وقد بلغت هذه النماذج المبكرة فى ذات الوقت درجة عالية من النضج الفنى سواء فى التصميم أو فى الألوان.
إن هذا التفوق الفنى الذى شهدته العراق منذ الفتح الإسلامى بدأ فى التدهور بعد سقوط بغداد فى أيدى المغول سنة ٦٥٦ هـ/ ١٢٥٨ م ولم يكتب له الاستمرار نتيجة للتدهور السياسى والاقتصادى الذى بدأ عقب هذا التاريخ،