البلاط يقف فى زمرة العلماء والأدباء، ويباح له أن يرتدى اللباس الخاص بالفقهاء. وقال الواثق إنه ما غناه إسحاق قط إلا ظن أنه قد زيد له فى ملكه. ولما توفى هذا الموسيقى العظيم صاح المتوكل:"ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته".
وكان إسحاق، من حيث براعته فى كل فنون الموسيقى، يشغل مكانًا مشهود، فى حوليات الموسيقى العربية. صحيح أن صوته لم يكن بإجماع الآراء فى حلاوة أصوات معاصريه الآخرين. إلا أن فنه الرفيع كان يكتسح أمامه كل شئ. وقد وضعه أحد النقاد فى مكانة بين ابن شرَيْج ومعبد. ويقال إنه أول من لجأ إلى "التخنيث". أما فى الضرب على العود فقد كان فريدًا فى بابه، ويروى كتاب الأغانى كثيرًا من النوادر فى هذا الباب. وكان فى كل ألحانه يبدأ بالنغم الحاد القوى، ومن ثم لقب بالملسوع. وقد جاء فى كتاب الأغانى ثناء على عبقريته:"وكان إسحاق أعلم أهل زمانه بالغناء وأنفذهم فى جميع فنونه وأجودهم صنعة". صحيح أنه لم يكن من العلماء أصحاب النظريات فى الموسيقى مثل الكِنْدى وغيره الذين أفادوا من الترجمات التى صنعت للمؤلفين اليونان، إلا أنه استطاع - نظرًا وعملا- أن يفرغ الموسيقى العربية القديمة التى كان يخشى عليها الضياع، فى منهج محدد، وربما كان صنيعه هذا هو أعظم مأثرة له فى ميدان الفن.
وكان إسحاق إلى ذلك موضع التقدير شاعر، ولغويا وفقيها ومصنفا، وكذلك ذاع صيته بفضل ألف ليلة وليلة، ويحصى له الفهرست قرابة أربعين كتابًا، معظمها فى الموسيقى والموسيقيين وخاصة "كتاب الأغانى الكبير"، على أن له كتبًا أخرى تكشف عن اتساع أفق عنايته، مثل "كتاب أخبار ذى الرّمَّة" و"كتاب جواهر الكلام " و"كتاب تفضيل الشعراء" و"كتاب مواريث الحكمة"، ويصف الفهرست إسحاق فيقول:"وكان إسحاق راوية للشعر والمآثر .... وكان مع ذلك شاعرًا حاذقًا بصناعة الغناء مفننا فى علوم كثيرة".