(ربما عندما بدأت هذه اللهجات تتلاشى) وقد قام بجانب من هذا الجمع رجال القبائل فى الأمصار، إلا أنها تعرَّضت للتصحيف والتحريف عند استخدامها لشرح ما غمض من النصوص، أما الاهتمام باللهجات فى حد ذاتها (بصرف النظر عن قيمتها الاستشهادية وقيمتها فى توضيح النصوص) فلم يأتِ إلا فى وقت متأخر.
لقد ظهر انشقاق واضح بين مجموعة اللهجات الشرقية على الخليج، ومجموعة اللهجات الغربية التى تشمل بالإضافة للهجات الحجاز وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية لهجة طيئ، وكانت لهجات جنوب غرب الجزيرة أكثر تأثرا بلهجة يمن وطيئ بينما نجد تأثيرا للهجات الشرقية على لهجات الحجاز، ويتمثل الاختلاف فى هذه اللهجات فى الإيقاع والنظام الصوتى والنحو (ففى اللهجات الغربية (ذو) و (ذى) بدلا من (الذى) فى اللهجات الشرقية، وأهل الشرق يبنون الفعل (قال) للمجهول بقولهم (قُولَ) بينما أهل غرب الجزيرة يجعلونه (قيل)، وفى الغرب يجعلون فعل الأمر من ردّ (أردُدْ) أما الشرق فيقولون رُدُّ (رُدَّى) وغير ذلك. ولا ندرى ما إذا كانت هذه الفروق بين لهجات غرب الجزيرة وشرقها حديثة أم قديمة موروثة، وإن كان لابد أن نضع فى الاعتبار أن أهل الجزيرة العربية قد أتوا من أنحاء مختلفة من العالم السَّامى وأن العربية قد تعرضت لتأثيرات شتى بعد استقرار العرب فى شبه جزيرتهم.
وتحتل اللهجات اليمنية مكانة خاصة نظرًا لما قدّمه لنا ابن دريد ونشوان بن سعيد من معلومات ثرَّة وافرة عنها كما أنه يمكننا تقييمها والتحقق منها لأن اللهجات اليمنية الحديثة ما هى إلّا استمرار للقديمة إذ تضم اللهجات اليمنية الحديثة بين جنبيها كثيرا من ألفاظ اللهجات القديمة بل وطريقة النطق أيضا. فلهجة حِمْيَر كما وصفها الفيلولوجيون كانت لهجة قديمة مهجورة فى غرب الجزيرة العربية تأثرت تأثرا شديدا بلهجات جنوب غرب شبه الجزيرة. ولدينا من الحميرية بعض النقوش (مُسْندات) وبعض