ويرجع السبب فى هذا التقسيم إلى أن المرابطين كانوا متمسكين تمسكًا شديدًا بتعاليم الدين الإسلامى مما طبع تصرفاتهم بطابع خاص تحكمه الأفكار الدينية (كانوا سجناء أيديولوجيتهم الدينية) بينما لم يكن الأمراء أو الخلفاء أو الملوك الذين حكموا الأندلس قبلهم يلتزمون بتعاليم الإسلام الصارمة رغم دفاعهم عنها، وهناك عامل آخر يؤيد هذا التقسيم الذى انتهجناه، وهو أنه حتى نهاية ملوك الطوائف انتشر الطابع الخليع والمتحرر خاصة فى الشعر، وطغى على الإنتاج الفكرى الدينى الخالص، بينما بعد قيام المرابطين وجدنا العلوم الدينية تتخذ مكان الصدارة وتزيح الآداب الخليعة والأفكار المناوئة للدين من مكانها الذى شغلته فى فترة سابقة، بالإضافة إلى أن الإنتاج الفكرى فى أسبانيا لم يتراجع القهقرى رغم الاضطرابات السياسية والعسكرية بل على العكس فقد ظل يزدهر بثبات فى القرن الخامس للهجرة (الحادى عشر للميلاد) ثم بدأ فى الانحدار شيئا ما حتى انتهى بانتهاء الوجود العربى فى إسبانيا.
آداب العربية قبل المرابطين ٩٢ - ٧١١ هـ/ ٤٨٥ - ١٠٩٢ م:
عندما وضع العرب الفاتحون أقدامهم على الأرض الإسبانية فى نهاية القرن الأول الهجرى (بداية الثامن للميلاد) كانت آداب الشرق الإسلامى لا زالت تتحلّق حول القرآن الكريم والعلوم الدينية بالإضافة إلى الميل الشعرى الذى هو خاصية عربية، ومن هنا فمن المحتمل أن يكون المقاتلون العرب الذين كانوا شعراء -على نحو أو آخر- يمثلون بأشعارهم أقدم أشكال الأدب العربى التى شهدتها إسبانيا إلا أنه من المحتمل أن يكون نشاطهم الأدبى فى هذه المرحلة الباكرة مقتصرًا على قصائد قليلة يفخرون فيها بقبائلهم ويرثون بها شهداءهم أو يبدون فيها الحنين إلى ديارهم تماما كما فعل أقران لهم ذهبوا لفتح بلاد أخرى، وليس بين أيدينا من هذه القصائد الأولى شئ إلا أن بعض الباحثين لاحظ أن أهل الأندلس -فى أزمنة قديمة- كانوا يغنون على النحو نفسه الذى يغنى به