ومما يدعو للدهشة أن الأعمال الأدبية الخالصة -شعرًا ونثرًا- والتى كتبها أندلسيون لم تظهر -بوضوح- فى أسبانيا إلا منذ القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد) فكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه (المتوفى ٣٢٨ هـ/ ٩٤٠ م) لم يحظ بنجاح كبير فى أسبانيا ولم يقلده إلا قليلون خلال هذه الفترة الأولى التى نتناولها الآن بالدرس والتحليل، مع أنه بعد أن وصل زرياب المغنى العراقى المشهور (١٧٣ - ٢٤٢ هـ/ ٧٨٩ - ٨٥٧ م) إلى قرطبة فى بداية حكم عبد الرحمن الثانى جلب معه إلى أسبانيا أسلوب البلاط العباسى وروحه، وكانت بغداد حقا هى المثال الذى يحتذيه حكام الأندلس، ومع هذا فهناك ظاهرة على جانب كبير من الأهمية مؤدّاها أن الإنتاج الفكرى والأدبى فى أسبانيا كان يختلف على نحو ما عنه فى الشرق الإسلامى. فمنذ القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد) بدأ التقارب يزداد بين العرب والأسبان بعد فترة طويلة كان كل منهما. كثيرًا عن الطرف الآخر، وأدى هذا اللقاء والتلاقح الحضارى الذى بدأ ينمو رويدًا رويدًا يؤتى ثماره ويطبع الإنتاج الفكرى والأدبى بطابع خاص.
لقد أدت نُدْرة معلوماتنا عن الشعر العربى المكتوب خلال القرون الأولى للحكم الإسلامى وفقداننا لأقدم كتب المجموعات الشعرية خاصة كتاب الحدائق الذى ألفه أحمد بن فرج (المتوفى ٣٤٤ هـ/ ٩٧٦ م) -إلى حرماننا من التوثيق الضرورى للمعلومات، وربما كان يحيى الغَزَال (المتوفى ٢٥١ هـ/ ٨٦٤ م) الذى أرسله عبد الرحمن الثانى فى سفارة إلى القسطنطينية -قد كتب شعرًا بمعنى الكلمة، ومن المعروف أنه كان يفضل الشكل الملحمى الموجز وكان يصب معانيه الشعرية فى أراجيز (جمع أرجوزة)، كما كان تمّام بن عامر (١٨٤ - ٢٨٣ هـ/ ٨٠١ - ٨٩٦ م) وابن عبد ربه يفضلان أيضًا الأرجوزة كشكل شعرى. وعلى أية حال فما كانت الأرجوزة ولا الشكل الملحمى الصغير