فمن المجزوم به أن القرآن الكريم غير مخلوق وأن صفات اللَّه سبحانه وتعالى حقائق؛ فصفة الكلام ليست محدثة بل هى ملازمة للَّه.
لكن ذلك المذهب نادى فى مرحلة تالية بوجود الكلام الذاتى الإلهى -وهو غير مخلوق- ومالوا للتسليم بأن الإشارات أو الرموز التى تعبر عنه مخلوقة. . ومثل هذه التفرقة كان من شأنها أن تجلب نقدا عنيفا من جانب فقهاء الحنفية.
كان ذلك موقفا عاما كما ذكرنا، لكنه كان يسعى بصورة متواصلة إلى تبرير نفسه باتباع أساليب الجدل المنطقى فى وجه خصومه المتعددين؛ كالمعتزلة أول الأمر الذين كان لدى الأشاعرة أهدافهم المفضلة لتوجيه الجدل نحوها، ومن بعدهم الحرفيون Literalist مثل الكرّامية الذين تصدى لهم "ابن فوراك"، ثم الفلاسفة والكثيرون غيرهم. وكان الأشاعرة من حين لأخر يستعيرون من خصومهم طريقة أو أخرى لعرض الإشكالية أو حتى الأساليب المتبعة فى الجدل، وعلى ذلك يمكننا -فيما يتعلق بهم- تمييز الأطوار الزمنية التالية:
(١) أعمال المؤسس "الأشعرى".
(٢) التلامذة الأُول: "الباقلانى" الذى تبنى نظرية الأجزاء (النظرية الذرية) ونظرية الأحوال؛ وهما النظريتان اللتان كانتا فيما بعد تلقيان القبول أحيانا والإعراض عنهما أو رفضهما أحيانا أخرى. وكذلك "البغدادى"، و"ابن فوراك" خصم الكرامية، و"البيهقى" و"الجوينى" نصيرا نظرية الأحوال.
(٣) وهذا الأخير - الجوينى -وهو أستاذ الغزالى فى الكلام- أصبح رائدا للاتجاه الذى يطلق عليه ابن خلدون اسم "المجددين"؛ ذلك الاتجاه الذى واصل تلخيص ومناقشة مواقف كبار الفلاسفة، والذى بلغ شأوا عاليا استمده من أشهر المتكلمين: الغزالى، والشهرستانى، وفخر الدين الرازى (وهو واحد من أكثر مفكرى هذا المذهب إبداعا)، والأصفهانى، والإيجى، والجُرجانى، والدوانى (الذى كتب "محمد عبده" تعليقا على أعماله). ولم يحجم هؤلاء المجددون عن استخدام درجة ما من التأويل (المعتدل) من أجل