للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبده كانا أولا وقبل كل شئ "مصلحين" و"رجلى فعل" لا "متكلمين".

ولا يسعنا أن نختم حديثنا إلا بإثارة سلسلة من الأسئلة: هل سيقدر لأى شئ أن يشغل منزلة علم الكلام بمزيد من المنظورات الواسعة وبحيث يخدم موقفا عمليا لا تأمليا؟ أو هل سنشهد تجديدا -فيما يتعلق بمكونات العقيدة الإسلامية- يجيب مرة أخرى على الأسئلة التى ثارت فى الماضى بخصوص اللَّه والإنسان وشروط نجاة البشر من الضلال، ويأخذ فى اعتباره هذه المرة متطلبات الاكتشافات العلمية والأفكار السائدة فى عالم اليوم؟

لكل ذلك فإن الدارس سيكون بحاجة إلى مضاعفة معرفته الموضوعية بكل من الأعمال الكبرى للعصر الكلاسيكى والمسائل المعاصرة.

ومن الملائم فى هذا المقام أن نؤكد على انتعاش الحظوة التى يتمتع بها اليوم الفكر المعتزلى؛ ليس على نحو مباشر من أجل دفاعه عن وحدانية وعدالة اللَّه، ولكن من أجل تأكيده على حرية الإنسان فى غمرة الحماس للإيمان بالإله الواحد الخالق والمهيمن، أما الفكر الأشعرى فيبدو أن متطلبات العقيدة لم تعد تستوجبه. فهل يا ترى سوف يحدث تركيب symthesis بين النزعات المختلفة لعلم الكلام تعمل من خلال مجموعة معدلة من الأدوات الفلسفية؟

ويبدو هنا أن الحاجة تدعو إلى دراسة نص القرآن الكريم وإلى المزيد من علم الإنسان anthropology المتطور للغاية؛ لا ليحل ذلك محل "الإلهيات"، بل ليفتح منظورات أوسع من أجل مناقشتها. . . فعلم الكلام قد حظى بماض مجيد، وأثمر اعمالا تستحق أوقر الإحترام من جانب المؤرخ. ولعل من المأمول أن ينهض ذات يوم "كلام" جديد مختلف كل الاختلاف عن القديم من حيث مناهجه وحججه ومداخلاته، لكى يؤدى دوره فى تشجيع الانتعاش الثقافى للعلوم الدينية الإسلامية.

المصادر: وردت فى متن المادة.

محمد غريب جوده [ل. جارديه L.Gardet]