للباب العالى وقلل من عدد إنكشاريته إلا أنه مع ذلك لم يخلع القناع عن وجهه تماما ولم يرفض رجاء السلطان له فى إرسال كتيبة لمحاربة روسيا. لكنه رُمِىَ عند الباب بالخيانة وبأنه يعبئ هذا العسكر لمساعدة الروس ومن ثم صدر فرمان الباب العالى بإعدامه فلما علم على بك الكبير بهذا الحكم رد عليه ردا فيه عجرفة اذ أعلن استقلاله وأصبح منذ هذه اللحظة متورطا فى أمور مكروهة ومضطرا لإبقاء قواته على الدوام فى حالة تأهب للحرب، فأخضع فى البداية قبائل عرب الصّعيد، ثم تدخل فى شئون مكة لتنصيب رجل ادعى أنه "شريف" والتمس هذا الرجل الدّعى تأييده فأرسل إليه على بك عسكرا بقيادة رجل يعتبر يده اليمنى هو "محمد بك أبو الدهب".
ولما أحس على بك بقوته سك عملة خاصة به وإن كانت لا تزال تحمل اسم السلطان، والحروف الأولى من اسم والى مصر وفوقها تاريخ ليس بتاريخ تولى السلطان السلطنة.
وتابع على بك سياسته هذه فأرسل جيشا ضخما بقيادة تابعه محمد أبو الدهب لغزو الشام، وكانت المفاوضات مع الروس لا تزال جارية ولكنها لم تسفر عن أى نتائج، وسرعان ما تم له فتح الشام كله، غير أن الأحداث جرت بما لم يكن فى الحسبان إذ قاد محمد بك أبو الدهب جيشه بعد دخوله دمشق منتصرا وعاد إلى مصر ليسلبها من يد مولاه على بك الكبير الذى قرر حينذاك الهروب من القاهرة فى محرم ١١٨٦ هـ (أبريل ١٧٧٢ م) والتجأ مرة أخرى إلى باشا عكا وشرع فى تجهيز جيش جديد بمساعدةٍ روسية واستطاع بعد بضع مناوشات ناجحة أن يواجه خصمه فى الصالحية شرقى الدلتا إلا أن الدائرة دارت على جيشه وأصيب هو بجراحات قاتلة فى ساحة القتال مات بعدها بأيام قلائل يوم ١٥ صفر (٨ مايو ١٧٧٣ م). وإنه لمن الصعب تقدير فترة استقلاله الذاتى لأن شكل عملته كان غير مألوف رغم أنه كان قد أعلن أن تملك العثمانيين للبلاد كان بالقوة وبخيانة بعض الأهالى. ولدينا وثيقة مؤرخة بمستهل ١١٨٦ هـ (أعنى قبيل مغادرته النهائية للقاهرة) تبين لنا أنه لم يجرؤ على إعلان نفسه