وقد وضع الوضّاعون فى سيرته أمورا غير حقيقية، لكن البحوث التاريخية المتأنية تقدم لنا كثيرا من الحقائق الأساسية عنه مما يمكننا من فهم شخصيته. لقد عادى عمر بن الخطاب الإسلام معاداة شديدة فى بداية الأمر، لكنه -بعد أن أسلم- تحول إلى الطرف النقيض فراح يدافع عن الإسلام بالشدة نفسها التى كان يعاديه بها من قبل.
وربما أثَّرت هذه الحقيقة فى الروايات المتعلقة بإسلامه وهو ما تقدمه لنا على أن ذلك تم فجأة عندما استمع عمر رضى اللَّه عنه -مصادفة- لبعض آيات من القرآن الكريم كانت تُتْلى فى بيت أخته فاطمة التى كانت قد أسلمت مع زوجها سعيد بن زيد، ونتج عن هذه الحادثة -التى تبدو عرضية- وهى إسلام عمر أن أصبح الإسلام بفضل عمر بعد ذلك ظاهرة عالمية لقد أسلم عمر -فيما تقول الروايات- وهو فى السادسة والعشرين من عمره، وكان ذلك قبل الهجرة بسنوات أربع، وربما لا يكون هذا هو عمره وقت إسلامه لكن المؤكد أنه كان فى ريعان شبابه، وكانت نصرته للإسلام ومؤازرته له ذات نفع كبير بسبب شخصيته القوية أكثر منها بسبب عشيرته، فهو ابن نفيل العدوى من بنى عدى بن كعب وهم من قريش الظواهر الذين لم يلعبوا دورا سياسيا بارزا فى مكة التى يسودها التجار والتى كانت التجارة هى عصب الحياة فيها، ومع أن الروايات تذكر أن إسلامه قد أعز الإسلام قبل الهجرة إلا أن دوره غير واضح فى ترتيب أمور الهجرة، ولم يتبلور دوره إلا فى المدينة المنورة حيث غدا بمثابة مستشار وقام بدور كبير فى تنظيم الدولة الدينية الناشئة، وظهر عمر كمستشار أكثر من ظهوره كجندى مقاتل، ورغم شهوده غزوة بدر وأُحد وغيرهما فلم تنسب الروايات إليه بطولات فذة أو أعمالا غير عادية كتلك التى نسبتها لعلى رضى اللَّه عنه وغيره من الصحابة، وقد نزل القرآن الكريم مؤيدا رأى عمر (أو مبادراته التشريعية) كالأمر بحجاب أمهات المؤمنين (الأحزاب، آية ٥٣) وما يلفت النظر أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه ارتبط برباط من الصداقة العميقة مع أبى بكر الصديق فى المدينة المنوّرة، صداقة لم يتخللها أى نوع من الغيرة، رغم أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلم