وفى عام ٥٤٠ م تقريبًا وبمساعدة الإمبراطورة تيودورا، حصل الحارث على رسامة اثنين من الأساقفة الذين يعتقدون فى الطبيعة الواحدة للمسيح وهما اتيودوراس Thendnnic والأسقف الشهير جاكوب (يعقوب) برادايوس Jacob Baradaeus والذى سميت باسمه كنيسة الطبيعة الواحدة للمسيح فى سوريا فأصبحت تسمى بالكنيسة "اليعقوبية" -وقد عملت الجهود المضنية لهذين الرجلين على إعادة النشاط لهذه الكنيسة مرة أخرى. واستمر ملوك الغساسنة، الحارث وابنه منذر فى حماية هذه الكنيسة لا من عداء الخلقيدونيين فحسب بل أيضا من الحركات الانقسامية فى الداخل "هرطقة التثليث" التى قال بها إيوجينيوس Eugenius وكونون Conon، والخلاف الذى نشب بين جالوب برادايوس وبين بول الأسود، وكذلك الصراع على كرسى البطريركية بين أساقفة أنطاكية والاسكندرية -ولكن الغساسنة لم يهملوا أبدا شبه الجزيرة العربية فقد كان نشاطهم التبشيرى- وخصوصا فى نجران ذا أثر مهم فى نشر المسيحية فى تلك الأجزاء الجنوبية. وبالرغم من أن تأييدهم القوى لحركة الطبيعة الواحدة للمسيح قد كدرت علاقاتهم بالأباطرة الارثوذكس، وأدت إلى سقوط ملكهم منذر (٥٦٩ - ٥٨٢ م)، وولده نعمان، إلا أن تاريخ هؤلاء القادة العسكريين قد اختار من خلال هذه الحركة هذا الصفاء الروحى الذى جعل منها أنضج تعبير عن الثقافة العربية المسيحية.
وقد قام الغساسنة بإسهامات مهمة فى تمدن سوريا وفى حياتها المعمارية فى القرن السادس فأنشأوا أعدادًا من المدن مثل جلق، وكذلك الأشغال العامة مثل الصراع فى الرصافة (سيرجيوبوليس Sergio polis) - كما بنوا الكنائس والأديرة- وسبقوا الأمويين عندما شيدوا فى الصحراء وبالقرب منها مساكن فخمة كانت فى بعض الأحيان منشآت عسكرية.
ولم تكن العلاقات بين بيزنطة والغساسنة طيبة بسبب نزعة الاستقلالية وبسبب تأييد الغساسنة لحركة الطبيعة الواحدة للمسيح. . وفى