أما الأحكام العملية فيكفى فيها الظن (شرح المواقف، جـ ١، ص ٣٨، الموافقات جـ ٤، ص ٣). ويقولون إن النسخ لا يكون فى مسائل علم الكلام، وإنما يكون فى مسائل الفقه.
ثم إن الخلاف بين المسلمين فى شئون الأحكام العملية ليس له خطر الخلاف فى الأمور الاعتقادية.
فالآراء المتباينة فى الأولى تسمى مذاهب، وأتباع كل مذهب يعتقدون أن مذهبهم صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيرهم خطأ يحتمل الصواب. بل يرى بعضهم أن الحق يتعدد فى المسائل الاجتهادية باعتبار أن الله لم يكلف الناس إلا بأن يبذلوا جهدهم فى تحرى الصواب فما وصلوا إليه بجهدهم فهو بالنسبة لهم الحق لا يجوز العدول عنه.
ولست تجد شيئًا من ذلك فى أمور العقائد التى يؤدى الاختلاف فيها إلى تفرق الفرق يكفر بعضها بعضاً، والحق فى مسائل العقائد واحد لا يتعدد وكل ما سواه باطل. أحسن الفروض بالنسبة لصاحبه أن يعذر فينجو من عقاب الأخذ بالباطل. ("فصول البدائع، فى أصول الشرائع" للفنارى، جـ ٢، ص ٤١٧، ٤٢٤).
هذا، والأعمال البدنية نفسها لا يكون لها اعتبار فى دين المسلمين بحسب صورها الظاهرة، وإنما هى معتبرة بالنيات والهيئات النفسانية التى هى مصدرها. يراجع كتاب "حجة الله البالغة"(جـ ١، ص ٤) وفى القرآن الكريم: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}(ى ٣٧ س ٢٢ - الحج مدنية).
ويروى عن النبى حديث هو أحد الأحاديث التى عليها مدار الإسلام، وقال الشافعى وأحمد: إنه يدخل فيه ثلث العلم، وهو من أصح الأحاديث النبوية وأشهرها حتى زعم بعضهم أنه متواتر (شرح القسطلانى على البخاري، جـ ١، ص ٥٥) اعترافا بمكانته بين السنن تجده فى فاتحه كتب الحديث المعتبرة كصحيح البخاري وصحيح مسلم.
هذا الحديث هو:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".