للجاحظ ما ذكره من أنهم كانوا يتطيرون وتكرر ذلك بعده، ويقول الكاتب نفسه أيضا كان الرجال المحترمون يحملون أسماء الحمار والكلب والثور، ولم يتردد العرب فى استخدامها، إذ رأوا فيها طالعا حسنا: وهناك حديث يعطى الطيرة معنى أوسع وهو "أصدق الطيرة الفأل" وبنفس الطريقة نجد أمثلة تعطى للفأل معنى الطالع الشرير.
وهذا التضارب فى الأقوال يكشف عن وجود أساس بدائى لم تغمره تماما موجة التطهر القوية التى سادت الجزيرة العربية فى القرنين الأولين للهجرة.
والواضح من كل ما سبق أن الطيرة بهذه الطريقة قد تطورت بعد أن كانت فى الأصل لا تتعدى ملاحظة وتأويل طلعات وصياح ونشاطات بعض الطيور التى تستخدم فى العرافة (الكهانة).
وقد انبثقت عن هذا كتابات كثيرة -بل أدب كامل- وخصوصا فى الشعر والأمثال التى تقنع الإنسان بالعدول عن اتباع الأفكار التى تثيرها الطيرة فى نفسه، والتى يتعرض لها كل الناس. ويؤثر عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أنه قال ما معناه إن هناك ثلاثة أخطار يمكن للمرء أن يهرب منها وهى الطيرة والشك والغيرة. قال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-](لا شؤم وقد يكون اليُمن فى الدار والمرأة والفرس) ابن ماجه، نكاح، ٥٥، وقال أيضًا (سوء الخلق شؤم) أبو داود، أدب، ١٢٤، أحمد ابن حنبل، وقال أيضًا (ما بى إلّا كراهية أن يتشاءم الناس) مسلم، باب الصلاة، أما ما جاء فى الشعر حول هذا الموضوع فهو كثير جدا - (وخصوصا البحترى فى الحماسة).
ويبدو أن المعنى البدائى للطيرة قد ظل حيا فى "الزجر" الذى يستخدم كثيرا كمرادف للطيرة بالرغم من أن هذا المصطلح فى الأصل يدل على أسلوب يتصل بالطيرة. فإذا كانت الطيرة تكمن فى ملاحظة الطيران التلقائى والصيحات التلقائية للطيور وتفسيرها أو تأويلها، فإن الزجر -على العكس من ذلك- يشتمل على الباحث