زمرة المؤمنين ويمنعه من الافتاء. ومنذ القرن الأول الهجرى -السابع الميلادى- أخذت الدولة على عاتقها تعيين القضاة المؤهلين لأن يعملوا فى مجال الفتوى وبعد ذلك وجدت الوظائف الرسمية "للفتيا"، ومن ثم أصبحت وظيفة عامة مثل المستشارية الشرعية (القضاء الشرعى) وتدخل فى نطاق المهام الدينية وهكذا شكل هؤلاء "المُفْتُون" -فى الدولة المملوكية- جزءا من مجلس المظالم الذى يرأسه السلطان وحكام الأقاليم وفى بعض العصور وأيضا فى بعض المناطق -كما فى الامبراطورية العثمانية- ارتبطت وظيفة المفتى بوظيفة القاضى وكان من يتولى هذا المنصب ممنوعا من مجرد تقديم الفتاوى فيما يتعلق بأى إجراء قانونى يعرض فى محكمته.
والوظيفة العامة للمفتى لا تتحيز للأهواء الشخصية اللمهنة ومع ذلك ومع دخول القوانين والتشريعات المأخوذة من النظم الأوربية فى كل فروع القانون تقريبًا، هبطت المهنة إلى درجة الإهمال -بل- وفى أمور مثل الأحوال الشخصية والوقف، والتى ما زالت تحكمها مبادئ القانون الإسلامى (الشريعة الإسلامية) بشكل عام، أصبحت ممارسة الفتوى فى طريقها إلى الزوال.
وقد بقيت كوظيفة عامة فقط، أو بالأحرى كشئ يبقى للتاريخ، يأخذ طابع الشخصية الإسلامية للدولة وعلاوة على ذلك فإن الدول الإسلامية التى تأخذ بالهياكل السياسية الحديثة لم تعد تلجأ إلى من يتولون هذا المنصب من أجل إقرار شرعية نشاطاتهم التشريعية. أما فى الدول التى يشكل فيها مجموعة المسلمين جزءا من سكان البلاد -مثل لبنان- فقد خضعت لتحول ملحوظ: فقد أصبح مفتى الجمهورية الزعيم الدينى لمجتمع المسلمين وممثله -بهذه الصفة- لدى السلطات وهو رئيس كل المسئولين فى طائفة المسلمين وخدمة الوقف، وينتخبه مدى الحياة جماعة تتألف من أعضاء متخصصين ذوى كفاءة فى المجتمع المسلم (المرسوم التشريعى رقم ١٨ فى ١٣ يناير ١٩٥٥ م) ومع ذلك يبقى الفنيون، بالمعنى التقليدى، تحت رئاسة "مفتى الجمهورية".