وفى كتابه "رسالات الاعتزال" يرينا كيف يمكن التوحد مع العقل الفعال من خلال دراسة الفرد منذ أن كان جنينًا إلى أن يبلغ حياة التأمل، وتعد هذه سيكلوجية للمعرفة. وهذا البعد التطورى فى فكر ابن باجة يظهر مرة أخرى عند ابن طفيل حيث نستطيع أيضا التعرف على أثر "إخوان الصفا" فى فكره فقد حاول تصوف ابن طفيل أن يمضى خطوة أبعد من مجرد التأمل كما هو الحال فى تصوف ابن باجة وذلك لاستلهامه من كلّ من ابن سينا والغزالى. أما ابن رشد فإنه لم يرد برده على كتاب "تهافت الفلاسفة" أن يدافع عن فلسفة ابن سينا بل كان هدفه أن يضع أفكاره الخاصة والتى استلهمها مباشرة من أرسطو وشراحه المشائين. ولقد تناول الكثيرون الفلسفة الرشدية بالدرس والمناقشة. فبعضهم مثل رينان يرى أنه عقلانى خالص، ويرى جوتييه أن ابن رشد يرفض علم الكلام الذى يحصر نفسه فى نطاق النصوص الدينية وحدها ولكن ابن رشد يسمح بوجود الفهم الحرفى للعقيدة بالنسبة للجمهور غير المتعلم (جمهور العوام) الذى يتأثر بالصور البلاغية، أما الفلاسفة فينبغى عليهم اخضاع كل شئ للبرهان القاطع وقد قسم العقل إلى درجات ثلاث:"برهانى وجدلى وخطابى". وفى المشرق كان فخر الدين الرازى وهو أشعرى مثل الغزالى، إذ اتخذه مرشدا له، ولكنه ظل فى نفس الوقت مولعا بفلسفة ابن سينا وهو ينتقد المعتزلة، ولكنه يستعير منهم ما يمكنه الاستفادة به -كما أنه يهاجم الفرق المتطرفة ولكنه لا يحطم الجسور التى تصل بينه وبينهم. فنظرته مسالمة رغم عنف مجادلته. ووهب مقدرة عظيمة على المزج والتركيب ولعلنا نجد عنده النسق الفلسفى الذى يتسم بأكبر قدر من الثراء واتساع الأفق والانفتاح -فهو يشرح ابن سينا ويصحح أفكاره فى نفس الوقت- واستطاع أن يقيم وحدة تتميز بالعمق بين علم الكلام والفلسفة. وهو مثل الطوسى قد درس فكرة المعتزلة عن "الحال" وعلاقة هذه الفكرة بمشكلة الصفات الإلهية -ويرى أن العقل الفلسفى بوسعه أن يجمع الأفكار لكى تنتظم فى نسق متسق، ولكن الوحى هو الذى يفصح عن