الجبرية وهم مؤمنون بالقدر تمامًا. فالإنسان ليس له دور على الإطلاق فى الأفعال التى تصدر عنه، وهذا الرأى يعتبر فى نظر الإسلام بدعة. أما الرأى المتطرف من الناحية الأخرى فهو رأى القدرية Karlarites الذين اندمجوا فى آخر الأمر فى المعتزلة. وفى البداية لم يجازفوا باستخدام كلمة الخلق -فاللَّه وحده هو الخالق- وإنما استخدموا كلمات أخف وقعًا مثل الإيجاد والاختراع، ولكنهم فى النهاية قالوا: إن الإنسان "يخلق" أفعاله. أما المذهبان المتوسطان أو التقليديان فهما مذهبا الأشعرية ومذهب الماتريدية. ويرى الأشعرية أن رأيهم هو الأقرب إلى المنطق، بينما اكتفى الماتريدية بذكر الحقائق الواضحة، ومن الواضح أن الأسس التى بنى عليها المؤيدون للإرادة الحرة رأيهم أسس أخلاقية، فإن عدل اللَّه عز وجل يقتضى أن يكون الإنسان حرًّا، والإسلام التقليدى لا يهتم كثيرًا بهذه القضية، فاللَّه جَلَّ جلاله أن يفعل ما يشاء.
وإن كان التفتازانى والرازى قد ناقشا هذا المبدأ، وكانت الصعوبة التى واجهت التقليديين هى إحساس الإنسان بالحرية، وقد حل الماتريدية هذه المشكلة بقولهم إن الإنسان له أفعال اختيارية يثاب عليها أو يعاقب، ومنذ القِدَمْ ميّز الإنسان بين أن يقبض على شئ باختياره وأن يتركه رغمًا عنه، ولكنهم لم يجدوا حلًا للتناقض بين هذا القول وقدرة اللَّه الخلاقة المطلقة. وجاء الأشعرى فقدم مبدأ الاكتساب، فالإنسان يرضى بقضاء اللَّه، وهذا الرضى هو إحساس الإنسان بالحرية، ومن الواضح أن الأشعرى يعنى أن هذا الإحساس بالحرية هو أيضًا من خلق اللَّه، وبهذا التصوير لا يزال الإنسان آليًا وإن كان من آليته أن يظن نفسه حرًا. وما بين الرأيين هناك مجال كبير للمناقشة حتى مع المسلمين التقليديين، وقد كان لهذا الرأى تأثير عميق حتى أن الغزالى فى نهاية التحليل النفسى الرائع "بعجائب القلب" فى كتاب الإحياء ذكر حديث "هؤلاء إلى الجنّة ولا أبالى وهؤلاء إلى النار ولا أبالى".