للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأكبر الذى يسمونه بالجاؤن Caon (وهو يعادل البطرك عند النصارى) انتقل من طبرية إلى القدس، لكن سرعان ما نافس سلطانه القراءون، وهم طائفة يهودية منشقة اتخذت القدس مركزًا لها، وكانت فتوى القرَّائين (التى نمت وتطورت فى أرض إيرانية) تشبه كثيرًا ما تدعو إليه الشعوبية فى الإسلام من وجوب العودة إلى الكتاب المقدس وإحياء اللغة العبرية واتخاذ الأرض المقدسة وطنًا والاستقرار بها. والغالب أن هذه الحركة ولدت وترعرعت فى دوائر قريبة من العرب أو موظفى الحكومة اليهود وغيرهم من البارزين فى المجتمع. ولقد ترتب على ذلك أن أصبح من اليسير على "القرائين" المستقرين فى القدس أن تكون لهم اليد العليا، كما صارت القدس فى واقع الأمر مركزهم الروحى الرئيسى. وقد حدث فى أثناء المنازعات الجدلية بين هذه الجماعات اليهودية وفى خلال الفتن التى كانت ظاهرة تميز بها القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) أن فَقَد أحد رؤساء اليهود الجاؤن حياته، وكاد أن يلحقه اثنان غيره ويشاركانه مصيره لولا نجاحهما -ولكن بعد مشقة- فى الفرار فكتبت لهما الحياة. (I. Mann: Jews in Egypt and the Fatimids, reps.٤٧٠, Palestine under p.٥٧

ولقد تعلمت هاتان الطائفتان بمرور الوقت التعايش معًا جنبًا إلى جنب والتعاون فيما بينهما فى مصر، وإن كان ذلك على مجال أقل فى القدس *. ولقد اعترف الفاطميون بجاؤن القدس رئيسًا ليهود القدس الربانيين فى الدولة الفاطمية (انظر Giotein: A Mediterauaeu Socicly, Berhley ٢ les Augeles, ٩٧/.٥ ff

وقد حدث فى أثناء عهد المأمون (٩١٨ - ٢١٨ هـ = ٨١٣ - ٨٣٣ م) أن ضربت المجاعة القدس وقل عدد مسلميها مما ساعد البطرك على اغتنام الفرصة لإنجاز بعض الترميمات فى مبانى البلد الدينية (Eutychius, ٥٥ - ٥٧) لكن الذى كان أشد هولًا هو فتنة الفلاحين الكبرى التى اندلعت نيرانها قرب نهاية حكم الخليفة المعتصم (٢١٨


(*) مقابر اليهود القرائين فى مصر منفصلة عن مقابر غيرهم من الطوائف الأخرى. [التحرير].