المعروفة "بالكرامية"(والتى نزلت أولا بالقدس) بتشييد بعض الخوانق لينتفع بها أتباعها؛ وذلك حوالى منتصف القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد)، كما أننا نرى -خلال منتصف القرن الخامس (الحادى عشر للميلاد) مثل هذه الزوايا قد أقيمت فى الحى المسيحى بالقسم الشمالى الغربى من المدينة، أى حول القبر المقدس وحول بعض الكنائس التى ترجع إلى عصر قديم، كما أنشئ حى خاص بالأرمن قرب كاتدرائية سنت جيمس فى الناحية القبلية، كذلك أقيمت منطقتان يهوديتان إحداهما قريبة من سور البلد الغربى حيث يصلى الناس والأخرى قرب باب دمشق. وربما كانت "السيناجوجات"(الهياكل اليهودية) التى يشير إليها كل من المطهر وناصر خسرو وابن القلانسى هى "المدراشات" أو دور العلم التى وردت الإشارة إليها فى إحدى رسائل الجنيزة كأماكن تقام بها الصلوات. أما "القراءون" فكان لهم حيّهم الخاص بهم الواقع جنوبى المدينة والمسمى بحارة "المشارقة" نظرًا لأن غالبيتهم العظمى كانت وافدة من الشرق: من فارس والعراق.
وقد يكون من العسير أن نقرر كم كان عدد السكان وإن كان ناصر خسرو يقدرهم بعشرين ألفًا ونلاحظ أنه يورد نفس العدد حين يتكلم عن طرابلس الشام وعن الناس الذين تجمعوا ببيت المقدس أثناء الاحتفال "بعيد القربان" أما ابن الأثير فيجعل هذا الصدد لطائفة "الكرامية" الذين يسكنون القدس وحدها. غير أن المقدسى كان أدق حين يقول إن القدس كانت فى عهده أصغر من مكة وأكبر من المدينة (المقدسى، ص ١٦٧) أو أكثر إزدحاما بالسكان من كثير من العواصم الإقليمية (شرحه، ص ١٦٥)، ولا يمكن الأخذ فى تقدير عدد السكان بما يردده كثيرا القائلون بأن من أبادهم الصليبيون مثلا فى سنة ٤٩٢ هـ (= ١٠٩٩ م) كانوا سبعين ألف شخص، وإن كان هناك الكثيرون قد فروا إلى المدينة قبل اقتراب الغزاة الفرنجة وطبيعى أن نرى طابع المبالغة فى تقدير الاعداد فى مثل هذه الظروف، وهى