إذ لا توجد إشارة قط إلى مصدر الوحى أو صيغة المتكلم فى السور والآيات التى يظهر أنها أقدم ما نزل من القرآن الكريم، ففى بعض الآيات ليست هناك أدنى إشارة إلى أن هناك رسالة من اللَّه سبحانه وتعالى. انظر على سبيل المثال الآيات من ١ إلى ١٠ من سورة الشمس وكذلك القارعة والتكاثر والعصر.
ونورد هنا الآيات الكريمة المشار إليها على التوالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (٦) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا. . الخ} وما جاء فى سورة القارعة {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ. .} وفى سورة: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ. . الخ} وفى سورة العصر {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. .} وفى بعض الآيات الأخرى يبدو وكأن محمدا [-صلى اللَّه عليه وسلم-] هو المتحدث، كما فى سورة التكوير آية ١٥ - ٢١ وسورة الانشقاق (آية ١٦ - ١٩)(*).
وفى المرحلة المدنية الباكرة نجد فى الآية ٩٧ من سورة البقرة ما يشير إلى أن جبريل (عليه السلام) هو الموكول إليه الوحى {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، واعتمادا على هذه الآية الكريمة وعدد من الأحاديث الشريفة فسّر المفسّرون (الرُّوح) فى الآية السابقة وهى سورة الشعراء الآية ١٩٣ على أن المقصود بها هو جبريل عليه السلام.
وقد أوصى الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بكتابة القرآن (تدوينه كتابة) وجمعه، وقد تم جزء من هذا العمل (كتابة النص القرآنى وجمعه) أيام محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]
(*) ورد فى تفسير ابن كثير (إنه لقول رسول كريم) يعنى أن هذا القرآن لتبليغ لرسول الكريم أى ملك شريف، فاللَّه سبحانه يزكى عبده ورسوله الملكى جبريل، أما ما أورده المفسرون فى سورة الانشقاق فهى تشير إلى عظمة اللَّه وقدرته، وراجع تفسير ابن كثير وغيره للآيات التى استشهد بها المؤلف لتجد رؤية أكثر وضوحًا وصدقًا. (المترجم)