على فرض التوحيد، وقد لعب أبو بكر ابن مجاهد (المتوفى ٣٢٤ هـ/ ٩٣٦ م) دورا محوريا فى ضبط القراءات، بل لعله أهم الأدوار-فى هذا المجال- منذ عهد عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه. فقد كان مجاهد يهدف إلى تحديد عدد القراءات المقبولة وأنكر محاولة بعض الفقهاء فى فرض قراءة واحدة وهو الأمر الذى تحقّق من عدم إمكانية تحقيقه، وتفتّق ذهنه عن فكرة عبقرية فقد قال إن القراء السبعة المشهورين فى القرن الثانى للهجرة/ الثامن للميلاد كل قراءاتهم صحيحة وموثقة، وذلك اعتمادا على حديث مشهور عن النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] يفيد أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، وقد ورد هذا الحديث الشريف بصيغ مختلفة وسياقات مختلفة وبمعنى واحد.
(عن عمر بن الخطاب؛ قال سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان فى حياة رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأها على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فكنت أسَاوِرُه فى الصلاة فتصبَّرت حتى سلَّم، فلما سلَّم لَبَبْته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التى سمعتك تقرأها؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، فقلتُ كذبت، فواللَّه إن رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] لَهُو أقرأنى هذه السورة التى سمعتك تقرأها، فانطلقت به أقوده إلى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقلت: يا رسول اللَّه إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقْرِئنيها، وأنت أقرأتنى سورة الفرقان. قال: فقال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: أرسله يا عُمر، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأها، فقال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التى أقْرأنى رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-] فقال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: هكذا نزلت، ثم قال رسول اللَّه [-صلى اللَّه عليه وسلم-]: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحْرُف فاقرأوا ما تيسر منه) رُوى فى السِّتَّة الصِّحاح. وكلمة أحرُف جمع كلمة حرف ومعناها غير واضح لكن ابن مجاهد فسَّرها بسبع قراءات وألف كتابا يحمل العنوان نفسه القراءات