جـ ٣، ص ٩) وقال البعض الآخر إن الحروف ليست اختصارات، وحاولوا تفسيرها بطرق مختلفة، فقالوا إنها أصوات يقصد منها تنبيه النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- أو اجتذاب أسماع من يستمعون إلى القرآن حتى ينصتوا ويحسنوا الإصغاء، وقال غيرهم إنها أسرار خفية ذات معان رمزية تقوم على القيمة العددية (بحساب الجُمل) للحروف العربية، وقال آخرون إنها فواصل بين السور، وذهب عدد من العلماء إلى أنها حروف عربية وحسب، تشهد أن التنزيل قد أوحى به بلغة القوم التى يعرفونها وهلم جرّا. ويروى السيوطى عن ابن عباس (عن طريق ابن اسحاق) أن جماعة من اليهود قالوا لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إن الحروف تشير إلى عدد السنوات التى سيظل فيها المجتمع الإسلامى قائمًا، فعندما سمعوه يتلو "ألم"(١ + ٣٠ + ٤٠ = ٧١) قالوا إن العدد لن يتجاوز ٧١ سنة. وعندما سمعوه يتلو "ألمص"(١ + ٣٠ + ٤٠ + ٦٠) قالوا إن المدة هى ١٣١ سنة، وعندما سمعوا "ألر"(١ + ٣٠ + ٢٠٠) قالوا بل هى ٢٣١ سنة، ثم سمعوا "ألمر" فقالوا بل هى ٢٧١ سنة. وانتهى بهم الأمر إلى إنكار ذلك كله وإلى أن ثمة سرًا يكتنف هذه الحروف. وقد ناقش السيوطى هذه المسائل جميعًا إلى جانب غيرها من الاحتمالات وانتهى إلى أن فواتح السور رموز أو أسرار لا يعرف تأويلها إلا اللَّه. وقد أظهر علماء المسلمين المتأخرين ميلًا إلى تقبل هذا الرأى، ولو أن عددًا منهم (مثل هاشم أمير على) يقول إن جميع مجموعات الحروف لا بعضها فقط هى حروف نداء للنبى -صلى اللَّه عليه وسلم- ويقول على ناصوح الطاهر إن القيمة العددية للحروف تمثل عدد الآيات فى "التقسيم الأصلى" للسور التى تتصدرها ومعظمها سور مكّية. وهو يستشهد بما استشهد السيوطى به، فيقول إن سورة الأعراف التى تتكون الآن من ٣٠٥ آية والتى تبدأ بالحروف المص (١ + ٣٠ + ٤٠ + ٩٠ = ١٦١) كانت تتضمن ١٦١ آية فقط، ثم يطبق هذا الأسلوب على مجموعات من السور حتى يتسنى له التوفيق بين أعداد آياتها والأرقام الموحى بها فى حروف الفواتح. ولكن هذا القول مردود عليه بأننا لا نجد سورة واحدة يبلغ عدد