وكانوا يعيشون فى الجزء الجنوبى الغربى من يثرب، قرب "المصلى" وملاصقين فى مساكنهم للجسر الذى على وادى بطحان، حيث كان فى أيديهم اثنان من الأطم التى تختص بها هذه البلدة، وكان من بين الأعمال التى يشتغلون بها الصاغة فكانوا صاغة ذهب، وقد أشار إليهم البخارى مرتين فى موضعين من كتابه أحدهما فى باب الخمس والآخر فى المغازى، فنعتهم بأنهم "صاغة قينقاع"، ولما أخرجوا من المدينة تركوا وراءهم السلاح وأدوات الزراعة فقسمها النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بين المسلمين بعد أن استبقى الخمس، ويختلف الناس فى تقدير عدد محاربيهم فمنهم من يجعلونهم أربعمائة رجل ومنهم من يغالى فيقول بل كانوا سبعمائة وخمسين.
ولما انتقلت السلطة العليا فى مدينة يثرب القديمة من يد اليهود إلى بنى فَيلة تحالف بنو قينقاع مع الخزرج، ولما أعطى النبى محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] العهد فى صورة العلاقات التى تكون بين المؤمنين وبين غيرهم من الطوائف التى تعيش فى المدينة لا نجد ذكرا بعدئذ لبنى قينقاع أكثر مما ورد ذكره عن بنى النضير وقريظة، ومن هنا جاز لنا أن نرجح -كما رجح وات فى كتابه: محمد فى المدينة -أن هذا العهد- فى صورته الحالية إنما كتب فى الفترة التى أعقبت التخلص من بنى قريظة وذلك فى نهاية السنة الخامسة للهجرة (= أبريل ٦٢٧ م).
ولقد اضطربت العلاقات بين النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] واليهود بعد وقعة بدر التى جرت فى رمضان من السنة الثانية للهجرة (مارس ٦٢٤ م)، إذ اتخذ اليهود كجماعة اتجاها لا ينطوى على الود نحو الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] ذلك أنهم أصبحوا من وجهة النظر الدينية مصدر إزعاج للمسلمين، كما أنهم من الناحية السياسية صاروا خطرا شديدا باعتبارهم حينذاك طائفة أجنبية قوية داخل المدينة التى اهتدت منذ قريب،