وأن ما ليست له بداية لا يمكن أن تكون له نهاية. وبناء على هذه النظرية يصبح كل من الزمان والحركة والعالم بأسره قديما على المعنيين. ومن بين المتكلمين الذين أجمعوا على أن العالم مخلوق فى زمان انفرد ابو الهذيل وحده، وهو من متقدمى المعتزلة، بالأخذ بالقول المأثور عن أرسطوطاليس الذى سبقت الإشارة إليه (فهو قد اصطنع نظرية:"أن لما يقدر الله تعالى عليه آخرًا ولقدرته نهاية لو خرج إلى الفعل لم يقدر الله تعالى بعد ذلك على شئ أصلا ولا على خلق ذرة فما فوقها، ولا على إحياء بعوضة ميتة ولا على تحريك ورقة ... ". انظر الخياط: الانتصار، طبع نيبرج، ص ٨ وما بعدها، ابن حزم، جـ ٤، ص ١٩٣ - ١٩٣). وينقض المتكلمون قول أرسطو هذا بحجة أنه لو كان العالم ليس له بداية فإن اللحظة الحاضرة يكون قد انقضى عليها زمان غير متناه، وهذا مستحيل (انظر مادة "قدم "). وليس فى المستقبل استحالة من هذا الضرب لأنه لن يكون فى المستقبل لامتناه ينقضى. وفضلا عن ذلك فإن سلسلة الذوات تحتاج إلى أول وليس إلى آخر، وأن الإنسان قد يحس اعتذارا من الذنب مستمرا ولو أن اعتذاره لابد له من بداية (١) (المقدسي: لبدء والتاريخ، طبعة، Huart، جـ ١، ص ١٢٥، جـ ٢، ص ٣٣) ومن ثم انتهى المتكلمون إلى أنه ليس هناك دليل عقلى على قدم العالم أو حدوثه. وورد فى القرآن عن يوم القيامة (سورة الزمر، الآية ٦٧): {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
(١) نص عبارة كتاب البدء والتاريخ "ومن الفرق بين المستقبل والمستدبر أنه يجوز وجود مالا يزال يتحرك ولا يجوز وجود ما لم يزل يتحرك، كما أنه يجوز وجود من لا يزال يعتذر من ذنب ولا يجوز وجود من لم يزل معتذرا، لأن الاعتذارات لأبد لها من أول وقد يجوز أن يكون لا آخر له. ومن هنا التزم بعض الموحدين بأن الحوادث لها آخر، آخر العلة الحدث، وإن زعم أن هذا العالم وما فيه من فعل الطبائع وما أوجبته ذواتها فالطبائع مركبة من البسائط، والتركيب عرض وهو دلالة الحدث، فالطبائع إذن محدثة ثم هى جماد وموات كالحجر والشجر، ثم هى مسخرة مقهورة بدلالة أن من شأنها التنافر والتضاد، فلما رأيناها متواطئة متوافقة علمنا بأنها بقهر قاهر وضبط ضابط.