ومثل هذا من الفحص النقدى نراه فى العقائد والتفسير والأخلاق وما أشبه ذلك من الدراسات الدينية. على أنه يجب قبل الحكم على هذا النقد للمتن فى الأمور الدينية أن يلاحظ ما يأتى: ١ - أن نقد السند خطوة أولى بطبيعتها، إذ ليس للشهادة قيمة إلا من الثقه بالشاهد، والرواية والشهادة صنوان، فإذا ما توافر مثل عناية القوم بنقد السند، ودقة ما اشترطوه فى الراوى من ضبط ويقظة، وصلاح وبراءة من الهوى، فقد صارت الحاجة إلى نقد المتن قليلة بطبيعتها. ولعلنا لا نجد متنًا خليقًا بالثقة، إلا وسنده أخلق بذلك، وفيه مخالص متعددة من المتن. وهذا هو الحديث الذى ساقه الأستاذ أحمد أمين مثال الحاجة إلى نقد المتن أو المجال لذلك النقد: نجد أن فى نقد سنده إراحة منه- رغم وجوده فى الصحاح إذ ليس كل ما فيها سليم - فهو مروي عن سعيد ابن زيد، وقد قالوا فيه: "إنه ضعيف" و"ليس بحجة يضعفونه فى الحديث" و"ليس بالقوى" (الذهبى: ميزان الاعتدال، جـ ١، ص ٣٧١ على أن مثل هذا الحديث فى موضوعه يخرج من باب، وسع من هذا جدًا كما سنبينه. ٢ - أن ما يمس الأمور الدينية لا يرجع فى نقده إلى أساليب التجربة والتحليل، لأن طبيعته لا تقبل ذلك ولا تمكن منه، فهو يمس أمورًا غير مادية، وقد ينتهى إلى غيبى وغير منظور، وإن رجع النقد فيه إلى اعتبارات نظرية محضة، فهى غير محدودة ولا يقف الخلاف فيها عند حد، ولا يهون الاتفاق عليها بل إنها لا تنضبط انضباط نقد السند والأصول التى نيط بها، فوجب لذلك أن يكون نقد المتن ثانوى المركز، بعد نقد السند. وهكذا يهديك ما قدمناه: من تفرق نقد المتن فى أبحاث متعددة، وما تقتضيه طبيعته من تأخير إلى أن ليس من اليسير القول مع الأستاذ بأنهم "عنوا عناية تامة بالنقد الخارجى، ولم يعنوا هذه العناية بالنقد الداخلى" وأنهم "لم يتوسعوا كثيرًا فى النقد الداخلى". * * *
هذا ما يقال فى نقد المتن الخاص بالأمور الدينية ووراء ذلك باب، وسع منه يجب النظر إلى قولهم فيه قبل الاحتجاج لتركهم نقد المتن بحديث "الكماة والعجوة" السابق: ذلك هو أن الأمور الدنيوية لا تعتبر من مهام الرسول التى يسوق فيها بيانًا، كما يشهد بذلك حادث أبرْ النخل المعروف وقوله: ما كان من أمر دينكم فإلىّ وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، أو كما قال.