هذا التاريخ كما أننا لم نعد نعثر له على قصيدة تامة، أما المقطعات من نظمه التى بين أيدينا والتى أمكن (لمّ شتاتها) فقد جمعت من مصادر شديدة التنوع وكثيرة ولا تتجاوز الواحدة منها بضعة أسطر، ومن ثم فإنه من الصعب أن نصل إلى تقدير صحيح للحقائق المتعلقة بطبيعة عمله، وإن كان هذا الأمر قد حاوله الكتاب القدماء ويحاوله المحدثون أيضًا، على أنه من الثابت المؤكد أن الكسائى كان يتمتع فى حياته وخلال القرنين التاليين لوفاته بشهرة مدوية باعتباره شاعرًا دينيًا، ويصفه "عوفى" بأن أكثر ما نظم إنما كان فى الزهد والوعظ، كما أنه يقتبس أمثلة -وإن كانت قليلة- من مراثيه فى آل بيت النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] كما يشيد بمناقبهم، وإن كتاب النقض "للشيعة" الإمامية الذى كتبه صاحبه فى منتصف القرن السادس الهجرى والثانى عشر الميلادى يذهب إلى أن الكسائى كان من شعراء الشيعة.
ونرى أن الشاعر الإسماعيلى ناصرى خسرو المتوفى حوالى سنة ٤٦٥ هـ - ١٠٧٢ م يقر بما فى عنقه من دين لسلفه الكسائى.
وإن ندرة المصادر الأساسية التى يمكن الحصول عليها الآن لا تسمح لنا بأن نقدر إلى أى مدى أمكن للكسائى أن يصرف عنايته للشعر الدينى، كما يستحيل علينا أيضًا أن نحدد الطبقات الاجتماعية التى كانت محور اهتمامه فى هذه القصائد كما أنه من ناحية أخرى نراه لم يقف بمعزل تام عن ممارسة الشعر العادى الذى يتناول جوانب الحياة العامة، ولقد وجد الكسائى تشجيعًا وعطفًا من جانب أحد الوزراء السامانيين وهو الأمير نوح بن منصور، كما أنه كتب فى أخريات أيام حياته أكثر من قصيدة فى مدح السلطان محمود الغزنوى والثناء عليه، كما أن العوفى يشيد بصفات الكسائى ويقتبس عديدًا من الأشعار التى تبين أن