للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القانون العرفى، معترف به بالفعل رسميًا فى بعض العناصر الهامة للعبادات حتى وإن تعارض هذا الإجماع مع الكتاب والسنة (انظر ما سبق). على أنه يجب ألا نغالى مع هذا، فى تقدير صلاحيته فى تدرج التشريع الإسلامى ورفض الأحكام القديمة وإدماج عناصر جديدة. كما أنه من الراجح أن تدرجه لم يمنع البدع ولم يشجعها، فإن العناصر العديدة الغريبة التى يشتمل عليها التشريع الإسلامى دخلت فيه قبل أن يكون للإجماع ذلك السلطان على الفقه فى جملته.

ومن جهة أخرى فإن الاستحسان والاستصلاح يهيئان إمكان اعتبار القانون العرفى، ولو أن هذا الاعتبار أخذ يقل على مر الزمن. وكانوا يحاولون فى بعض المواضع جعل العرف أصلا خامسًا إلى جانب الأصول الأربعة المعترف بها، نجد هذا حتى فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى). وكان يعتبر من المندوب إليه على وجه عام ألا تجعل القوانين المأخوذة من الكتاب والسنة متعارضة مع العرف المتبع، وأن يصبغ ذلك العرف بالصبغة الشرعية ما أمكن

للتخلص من الوقوع فى الإثم (ist جـ ١٥، ص ٢١٣). على أن الفقه لم يعترف اعترافًا عامًا مباشرًا بالعرف ولم يجعل له حتى ولا مقامًا ثانويًا. وما نجده من النقاش فى العرف العام والعرف الخاص وصلتهما بالإجماع وصفتهما التشريعية إنما هو نقاش نظرى. وفى الحالات التى تشير فيها الشريعة إلى العرف أو العادة قلما يقصد بتلك الإشارة العادات الشرعية. ولم يعترف بأن القانون العرفى ملزم حتى فى الحالات التى لم ينص الفقه فيها على حكم ما. فمثلا الرأى السائد فى جزائر الهند الشرقية الهولاندية الخاص بمساواة الشريعة والعادة يبعد بنا تمامًا عن تعاليم الفقه، فإنه يكاد يجعل جميع العبادات خاضعة للقانون العرفى، ولكنه لا يجعل له مكانًا أبدًا فى طريقته النظرية. وقد بذل الفقهاء المالكية المتأخرون جهدًا عظيمً -وبخاصة فقهاء شمالى إفريقية- فى التوفيق بين آرائهم وبين العبادات الجارية وجعلوا هذا مبدأ لا يشذون