يفرض نفوذه على قبائل معد فى وسط وشمال بلاد الرب، واستمر أبناؤه وأحفاده يمارسون السيطرة عليهم طيلة قرن من الزمان. وكان من أبرزهم الحارث بن عمرو، فقد تعدت شهرته حدود العرب إلى فارس وبيزنطة وحلفائهما اللخميين والغساسنة، كما قام فى سنة ٥٠٠ م ولده حُجر ومعديكرب بالهجوم على التخوم البيزنطية، مما حمل الامبراطورية فى سنة، ٥٠٢ م على أن تعقد هدنة سلام مع الحارث الذى حكم الحيرة لفترة قصيرة واعتنق المزدكية ثم غادر الحيرة واتجه إلى البيزنطيين الذين قلدوه حكم إحدى مقاطعات ولاية فلسطين لكنه تنازع مع واليها "وديوميد" وفرَّ إلى الصحراء فقتل سنة ٥٢٨ م. واختلف الناس أكان قاتله المنذر اللخمى أم واحد من قبيلة بنى كلب.
ولقد قسم الحارث قبائل معد العربية بين أولاده الأربعة: حُجر، وشرحبيل وسلمة ومعديكرب، إلا أنه سرعان ما شبت المنازعات بعد موته بين هؤلاء الأولاد وأدت إلى حرب دامية قُتل فيها شرحبيل فثارت قبيلة أسد على حجر وقتلته، وأخذت بعد ذلك قوة كندة فى الانحلال، وفى ذلك الوقت سعت بيزنطة حوالى سنة ٥٣٠ م إلى تكوين حلف يضم حمير وأثيوبيا وكندة فى وجه الفرس.
ولكن فى النصف الثانى من القرن السادس الميلادى تدهورت تماما قوة كندة فى وسط شبه الجزيرة العربية وشمالها، حتى أنها اضطرت إلى العودة إلى موطنها الأصلى فى حضرموت فى نهاية الأمر، وكانت تجربة كندة أول محاولة لفرض الوحدة على قبائل وسط بلاد العرب وشمالها، كما أنها استمدت من الجنوب الحميرى نوعًا من الحياة المستقرة، فحكمت العرب من بعض المراكز الحضرية مثل غمردى كندة وحجر، كذلك كان اعتناق بيت آكل المرار للمسيحية عاملًا هامًا فى نشرها فى وسط وشمال بلاد العرب. وساهمت كندة فى نشر الكتابة وتعليمها ومحو الأمية بين العرب، حتى ليقال إن واحدًا اسمه بشر بن عبد الملك (من قبيلة سكون) تعلم فن الكتابة بالعربية