المفاهيم التى منحت الكيميائيين القدامى فرصة الشروع فى نهج أساليب جديدة إلا أنهم لم يستفيدوا من هذه المفاهيم بل على العكس من ذلك واصلوا بحثهم العقيم -وحتى وقت قريب- عن حجر الفلاسفة.
لقد تُرْجِمَتْ المؤلفات العربية إلى اللاتينية فى العصور الوسطى. ولم تكن المؤلفات اليونانية -بل هذه المؤلفات العربية- هى التى مهدت الطريق نحو قيام كيمياء غربية -وهكذا أدخلت قدرا من التطور مرَّ عبر "أرنالد الفيلانوفى" -جابر اللاتينى- وبارسلوس إلى أن وصل إلى روبرت بويل (١٦٢٧ - ١٦٩١ م) وجوزيف بلاك (١٧٢٨ - ١٧٩٩ م). وجوزيف بريستلى (١٧٤٣ - ١٧٩٤ م) ولافوازييه (١٧٤٣ - ١٧٩٤ م)، كما أدى فى نهاية المطاف إلى معجزة الكيمياء الحديثة. بل إن هذه المؤلفات العربية أعطت دفعة هامة للتاريخ الثقافى الأوربى، ويكفى أن نذكر "ياكوب بومة" وجمعية الروزيكروش ونوفاليس وجوته.
يوضح هذا المسح التاريخى الموجز أن الكيمياء العربية تحتل موقعًا رئيسيًا فى تطور الفكر الكيميائى ككل -إلا أنها- وعلى النقيض الصارخ من أهميتها- ظلت للأسف مهملة من الباحثين. ومعظم ما كتبه مؤرخو العلم عن الكيميائيين العرب يعد من الكتابات التى لا تستند إلى المصادر الأصلية، بل تقوم على كتابات عفى عليها الزمن وشوهتها الأخطاء الفادحة. إن هناك مجالًا ضخمًا أمام البحث وإن كان الولوج إليه ليس بالسهل الميسور. إن الكيمياء ظاهرة معقدة تعقيدًا غير عادى إذ تضم اتجاهات عديدة ومختلفة. كما أدخل المؤلفون العرب فى نسيج فكرهم تأملات فى السحر والحساب والتنجيم والبيولوجيا. وتميزت الكتابات السحرية وكتابات ابن أُمَيل بالغنوصية، بينما تميزت كتابات أخرى بصوفية عميقة. ومن هنا نفهم ما يعنيه ابن العربى (فى الفتوحات) حين يشير إلى الكيمياء بوصفها "علم طبيعى روحانى إلهى" وبصفة عامة لم تكن المهمة الملقاة على عاتق الفلسفة الطبيعية مقصورة على