للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلهيا، أو على الأقل إلهام من اللَّه للإنسان (توقيف)، ولكن لم يُذكر هذان المعنيان صراحة فى أعمال أغلب اللغويين والفلاسفة العرب -بل إن الأشعرى (المتوفى عام ٣٢٤ هـ/ ٩٣٥ م) الذى ينسب إليه مبدأ الإلهام الإلهى للغة، له موقف غير حاسم من هذا الموضوع كما نفهم من تلاميذه، ويقال نفس الشئ عن إمام الحرمين والإمام الغزالى، ويأخذ النحويان أبو على الفارسى وابن جنى (الذى تتلمذ على أبى الحسن الأخفش تلميذ سيبويه) نفس الموقف المتحفظ.

وقد أثار المعتزلة فى منتصف القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى، قضية مهمة، وهى قضية الاختيارية المطلقة للرمز اللغوى بالمقارنة بالثبات المطلق للغة، وقد مثل الرأى الأول أبو الحسين الصالحى كما مثل الرأى الثانى عباد بن سليمان الصيمرى al-Saymari (٢٥٠ هـ/ ٨٥٤ م). ويبنى عباد رأيه على أنه "إذا لم تكن هناك علاقة معينة بين لفظ ومعناه، فإن تخصيص هذا اللفظ لهذا المعنى يمثل إمكانية التخصيص بدون أى مبرر، أو على حد قوله "ترجيح بدون مرجح"، وهذا مناف للعقل. ويعترض القاضى المعتزلى عبد الجبار (٤١٥ هـ/ ١٠٢٥ م) على قول عباد فيقول "ليس من الضرورى أن تكون هناك علاقة بين العبارة والمعنى بالشكل الذى يجعل أحدهما ينعدم بدون الآخر. ويرى الصالحى أن هذه الاختيارية لا حدود لها فيقول "فى إمكاننا اليوم أن نغير الأسماء (أسماء الأشياء) واللغة كما نراها الآن". وقد أمكن بعد دلك التوفيق بين الرأيين. فقال القاضى عبد الجبار "أما هذه الأشياء التى صارت اصطلاحية، فمن المؤكد أنه كان من الممكن، وضعها طبقا لأى نظام آخر بنفس الدرجة من الصلاحية، ولكن فى اللحظة التى تتحدد فيها هذه المصطلحات طبقا لنظام اصطلاحى معين، فإن المتكلم يقبلها على أنها لا يمكن أن تكون إلا هكذا". وفى نفس الفترة، عبر ابن سيده عن هذا التوفيق بين الطرفين بقوله "اللغة