ولما كانت الألقاب ومظاهر التشريف تعطى حاملها وضعا ومقاما خاصين، فقد كان من الطبيعى أن ينتظر العباسيون مقابلا لها خاصة فى فترة الفقر المدقع التى مرت بهم فى بداية القرن الرابع الهجرى/ العاشر الميلادى، وصارت تلك التجارة فى مظاهر التشريف فى مقابل الهدايا أهم شئ عندهم خاصة فى زمان بنى بويه عندما آل بهم الحال إلى أن صاروا فى عيشة ضنكا عالة على بنى بويه. وبمضى الزمن صار لهذه المنح ما يشبه التسعيرة المحددة، وقد ذكر البيهقى فى كتاب تاريخى مسعودى Torikh-i Masudi صفحة ٢٩٣ بالتفصيل المناقشة التى دارت فى بلاط مسعود الغزنوى عام ٤٢٢ هـ/ ١٠٣١ م حول الهدايا المطلوب إرسالها إلى الخليفة الجديد القائم بأمر اللَّه الذى كان السلطان ينتظر منه أن يقره على ملكه ويمنحه المزيد من الألقاب ومظاهر النبل، وقد دارت معظم هذه المناقشة حول الرسم المعتاد فى مثل هذه الأحوال.
كان لزاما، والأمر هكذا، أن ترتفع أصوات تعترض على هذا التفريط [. . . . .](*) فى منح الألقاب ومظاهر التشريف الذى أدى إلى انخفاض قيمتها.
كما كتب هلال الصابئ (المتوفى عام ٤٤٨ هـ/ ١٠٥٦ م) فقرة طويلة فى كتابه "كتاب الوزراء تحقيق عبد الستار فرج، القاهرة ١٩٥٨ صفحة ١٦٦ وما بعدها يندب فيه التغير الذى حدث فى الفترة بين الوزيرين ابن الفرات وعلىّ بن عيسى (الذى رفض منح أحد النواب لقبا أكثر من الدعاء البسيط "شرفه اللَّه" بالرغم من تعرضه للتهديد بسبب عناده)، وكذلك فى الفترة بين الوزيرين عضد الدولة وصمصام الدولة والحالة التى آل إليها الوضع فى أيامه.
وكان مدار شكواه استحالة التمييز الاجتماعى والوظيفى إذا فقدت الألقاب معناها الحقيقى وكانت النتيجة التى وصل إليها أن المناصب الرسمية قد فقدت منزلتها عندما أصبحت كلها فى مستوى واحد ورخصت عندما تساوت، ولم تعد تمثل أى مجد يثير الإعجاب أو امتياز يستحق المكافأة، ولقد سمعت