للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دراسة القيمة الدلالية لبعض الصفات اللونية وأنه كان بوسعهم أحيانا إدراج معنيين متضادين تماما تحت مسمى الصفة الواحدة. وهو ما لاحظناه بصفة خاصة فى اللونين الأبيض والأسود حيث نشتق منهما صفات مشتركة، واستخدم العرب عدة صفات للدلالة على الخمر، منها "الشراب الصافى" و"الشراب الذهبى". . إلخ. ويبدو أن هذا النهج من التفكير هو نفسه قد أدى بهم -نظرا لاعتقادهم فى الخرافات- إلى تجنب استخدام ألفاظ بعينها، ثم يستثيرونها فى الأذهان إما من خلال صورة بليغة أو باستخدام النقيض، وذلك فى الحالات التى يكون فيها السياق كفيلا بإيضاح المعنى دون لبس. ونحن نجد -حتى فى يومنا هذا- فى بعض أجزاء المشرق والمغرب من يتجنب نطق كلمة "أسود" (فهو لون ملعون) ويلجأ بدلا من ذلك إلى استخدام الصفة المضادة -وفى مراكش قد يكون المقصود بـ "الأبيض" القار والفحم أحيان. كما لوحظ أن نفس الصفة اللونية قد تصف لونين لتكشف لنا عن وجود صلة ما بينهما رغم اختلافهما. إذ يبدو -فى أعماق اللاوعى الجمعى حيث تمتد جذور البشرية- أن أسلافنا لم يشعروا بضرورة ماسة لإقامة تقسيم صارم بين الألوان التى تعد متقاربة لوجود أوجه تشابه فيما بينها من حيث السطوع مثل الأزرق والأخضر أو من حيث الشدة مثل الأصفر والأحمر. ويصدق هذا على العرب. فالقيمة الرمزية للأبيض عندهم لم تكن -فيما يبدو- تختلف كثيرا عما كان لهذا اللون من قيمة عند معظم الناس، فهناك من تداعيات المعانى ما هو كامن ولكنه عام وشائع -فاللون الذى يرمز إلى النصاعة والولاء والمَلكلية وهو الأبيض نجده -فى السيكولوجية الشعبية- يرمز فى غالب الأحيان للنقاء والبهجة والطهر والقدرية -والأبيض- وهو مزيج من كل الألوان -يعد بمثابة وحدة، بل صورة للألوهية. فجسد جبريل رئيس الملائكة أبيض كالثلج. والطائر الأبيض رسالة من السماء تحمل الأخبار الطيبة. والديك الأبيض يعد تجسيدا لمَلَك من الملائكة. ولقد أرسل اللَّه إلى آدم ديكا أبيض اللون ليدله على مواقيت الصلاة.