جامعو الأمثال فى المشرق وبصفة خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
٢ - فى الفارسية
ظلت اللغة الفارسية -رغم أدائها الأدبى الرفيع- لغة شعبية، لغة مجتمع بسيط فى جوهره تسوده الأميّة يعتمد على الزراعة والرعى والصناعات اليدوية والتجارة -ومن ثم لا يدهشنا أن نجدها حافلة بالتعبيرات والأمثال- ومعظمها موجز وبليغ، ولكن منها ما هو أكثر إيضاحا فى معناه ومبناه. وأدب الثقافة الرقيقة -وبوجه خاص الكتب التى تحض على مكارم الأخلاق، والكتابات الترفيهية التى تهدف إلى التثقيف وتهذيب الأخلاق مثل "جُلسْتان" لسعدى- هذا الأدب زاخر بالأمثال ومن المستحيل عمليا (كما هو الشأن مع شكسبير مثلًا) تحديد ما إذا كان المؤلف نفسه هو الذى ابتكر القصة التى تقف وراء المثل، أو أنه صك بنفسه مأثورا ثم حظى هذا القول بالذيوع بعد ذلك، أو أنه لا يعدو أن يكون قد انتحل حكايات وأمثال كانت ذائعة بالفعل على الألسن- بل إن الأدب الذى يبدو فى ظاهره بعيد الصلة عن الأمثال نجده يسترسل فى اقتباس الأقوال المأثورة.
وتتميز المجوعة الرئيسية المعتمدة للأمثال -إجمالا- بوجود ملامح تنم عن القدم سواء من حيث المفردات أو التراكيب النحوية أو الأسلوب، ولا شك فى أن معظمها أصيل غير منتحل إلا أنه من المحتمل أن يكون بعضها قد اختلف عن عمد -إلى حد ما- لإضفاء طابع القدم والأصالة عليها. هذا ما تتميز به المجموعة -على الأقل قبل أن تتوافر حديثًا بذلك الميل الواضح نحو التحديث.
وأغلب الظن أن بعض هذه الأمثال نقل عن العربية (ربما فى فجر الإسلام) وبعضها الآخر له ما يناظره أو يعادله فى اللغة التركية، ولكن هذا لا يعنى أن حركة الأمثال هى على الدوام من الفارسية إلى التركية، وثمة جزء لا بأس به من الأمثال صيغ بلهجة عامية. فإذا وضعنا فى الاعتبار هذه العوامل المتعددة، والتحول السريع الذى طرأ على المجتمع الإيرانى، واضمحلال