أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} سورة العنكبوت آية ٦٧، {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)} سورة قريش. حينئذ أدرك تجار مكة أن التحول للإسلام قد يُهدد أسواقهم وتجارتهم. وقد كان هذا فى الواقع النقطة الرئيسية فى معارضتهم لمحمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-]، ويثبت ذلك محاولات القرآن العديدة تهدئة مخاوف قريش فى هذا الصدد. وكان هناك بالإضافة إلى ذلك موقف التجار المحافظ فى مجال الدين، وعداؤهم للأفكار الجديدة الغريبة عليهم، خاصة فكرة البعث والنشور بعد الموت.
وتنبع قوة محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من إحساسه بأنه يعيش فى عالم ذهنى أسمى لا يرقى إليه المشركون، وأن ما يوحى إليه من عند اللَّه {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، سورة الإسراء آية ٨٨. وكثيرا ما يشير القرآن الكريم بحق إلى افتقار أعدائه إلى المنطق إذ يعترفون بأن "اللَّه" هو الإله الحق دون استنباط النتائج المنطقية من هذه الحقيقة. غير أن حتى أكثر حججه إفحامًا لم تفلح فى اختراق السدّ المنيع الذى أقامه تعصبهم على أساس من مصالحهم المادية. وحين كان خصومه يهزأون به إذ لم يتحقق ما أنذرهم له من عقاب اللَّه، {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} سورة ص آية ١٦، ذكر القرآن الكريم أن أقوام الأنبياء قبله كذبوهم فحق عليهم بتكذيبهم أشد عقاب. ولم تكن هذه التهديدات بعقوبة فى الحياة الدنيا جزءا من أوائل السور بدليل أن دعوته لم تثر فى البداية عداء قومه وترتبط فى القرآن الكريم الأفكار الدينية الجديدة التى دعا محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] إليها باهل الكتاب، وهو تعبير يشير إلى طائفتى اليهود والنصارى. وكان هناك وعى بهذا الارتباط بدليل ما تردد تأكيده فى القرآن الكريم من اتفاق تعاليم الإسلام والتعاليم اليهودية والمسيحية. وثمة آية مهمة فى سورة يونس ٩٤ يتحدى القرآن الكريم فيها خصوم محمد [-صلى اللَّه عليه وسلم-] أن يشاوروا أهل الكتاب بصدد صدق