مركز للتطعيم فى الصعيد، وأنشئت المستشفيات فى كافة المديريات بمصر، وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات إلّا أن البلاد لم تخل مما يقلق الهدوء الداخلى، وإذا كانت هذه الإضطرابات قد ظهرت فى الداخل إلا أنها ما لبثت أن ظهرت أيضا فى البلاد الخارجية الخاضعة لحكم محمد على لاسيما فى بلاد الشام، ذلك أنه فى إعداده للحملة على سورية استنفد موارد مصر مما جعل الناس يعيشون فى مغبة بالغة أرهقتهم كل الإرهاق، وضجر الفلاحون من أثار الطواعين والأوبئة التى اجتاحت البلاد عام ١٨٣٠, ١٨٣٥ م.
وكان محمد على يصر على وجود جهاز حكومى مركزى يكون هو رئيسه الأعلى ولذلك أصدر قانون ١٨٣٧ م ألغى به جميع المجالس وكوّن إدارات جديدة. على أن اهتمام الوالى بدخول مصر سوق الاقتصاد العالمى عرّض البلد وأسواقها لهزات مثل للك الهزة التى حدثت أولا فى سوق المال الدولى سنة ١٨٣٦ - ١٨٣٧ م مما أدى إلى تدهور أسعار القطن تدهورا شديدا فعانى البلد نضب موارده، يضاف إلى ذلك المصاعب التى صادفها فى حكم الشام، إذ تزايدت الكراهية هناك من الحكم المصرى نتيجة لمحاولة تطبيق النظم المصرية بسورية، وكذلك بسبب زيادة الضرائب بل وفرض ضريبة الرؤوس حتى على المسلمين وإدخال نظام الاحتكار وتطبيق السخرة. وكانت متطلبات الصرف على الجيش الضخم عبئا ثقيلا باهظا على الخزانة، وما كاد العقد الرابع يقارب الانتهاء حتى أغلقت عشرات من المؤسسات، كما أن الأهالى راحوا يفرون من قراهم، فلما رأى الباشا ما فيه من أزمة اقتصادية وتزايد تأفف السكان الذين أرهقهم الوضع إذ ذاك أخذ يتراجع عن سياسته الإدارية لاسيما فى الزراعة، وبدأ منذ سنة ١٨٣٨ م فصاعدا يقطع الاقطاعات الكبرى إلى أفراد من أسرته مما ترتب عليه قيام الاقطاعيين الكبار، كما قام فى الوقت ذاته بإنشاء ما عرف بنظام "العهدة"، وهو أن يعهد إلى رجال من