ومن معسكر المسلمين برز شعراء مثل كعب بن مالك وابن رواحة، وحسان بن ثابت الذى يضم ديوانه قصائد مستلهمة من مقتل حمزة وشهداء بئر معونة وغزوة مؤتة. ويظهر الاختلاف بين قصائد المسلمين وغيرهم فى عدم تناول فكرة الأخذ بالثأر، بل يستبدلون بها التبشير للشهداء بالنعيم الأخروى, وتهديد الكفار بعذاب جهنم.
وقد تسبب مقتل على بن أبى طالب وما ألمّ بآل البيت من أحداث جسام فى ظهور عدد كبير من قصائد الرثاء على مر القرون، حتى أنها اعتبرت غرضا جديدا من أغراض الشعر سمى "التعزية". ومن أشهر من كتب فى هذا الغرض أعشى تهمذان وسليمان بن قطة والسيد الحميرى، ومن المتأخرين عنهم دعبل والشريف الرضى ومهيار الديلمى. كما تتناول قصيدة الصنوبرى (ت: حوالى ٣٣٤/ ٩٦٥) رثاء حجاج بيت اللَّه الحرام الذين فتك بهم القرامطة. أما الخوارج فيشيدون بقتلاهم مظهرين الابتهاج بفوزهم بالشهادة، ويضمنون شعرهم معان قرآنية تشهد بحماسهم الدينى، ويذكرنا شعرهم بمرثيات أهل البادية التى ظلت روحها سائدة فى أعمال كبار شعراء العصر الأموى، إذ يضم ديوان الفرزدق حوالى عشرين مرثية أصيلة محكمة البناء.
ويشهد القرن الثانى الهجرى مولد غرض جديد من أغراض الشعر يسمى "الزهديات" ينطوى على تأمل فى الموت، أثر بلا شك فى الرثاء، فأبو نواس نفسه له زهديات كثيرة، كما ترك ما لا يقل عن عشرين مرثية.
وظهر فى أواخر القرن الثانى شكل أدبى جديد سرعان ما احتل مكانه بين الأشكال الأخرى وهو رسائل التعزية، وغالبا ما تكون نثرا, ولكنها حين تكتب شعرا يصعب التمييز بينها وبين المراثى بالمعنى الحرفى. وقد كتب الجاحظ رسالة مطولة فى موت ابن الصفار ضمنها تفاصيل ومشاعر تحول القيود الشعرية عن التعبير عنها بصدق.
ولم يُحدث تفكك الدولة العباسية تأثيرا على شعر الرثاء سوى ما بدا فيها من تقيد فى قصائد كثيرة