روابط الدم العربية اليهودية، منكرا اتهامهما بالعداء المتبادل، وعبَّر أخيرا فيها عن مخاوف العرب من أن يُطردوا من وطنهم وأثارت القصيدة احتجاجات قوية من الوطنيين العرب ومن الشاعر اللبنانى المارونى وديع البستانى الذى كان يعيش فى حيفا، فألف قصيدة يعنف فيها الرصافى. وأدت هذه الحملة القوية ضده إلى اقتناعه بقبول الدعوة للعودة إلى بغداد ليصبح محررا فى جريدة مؤيدة لطالب باشا النقيب الذى كان يطالب بعرش العراق. ورحل الرصافى إلى العراق، بيد أن قيام بريطانيا "النقيب" إلى الهند لتمهيد طريق الأمير فيصل إلى حكم العراق، أوقف إصدار الجريدة، وعُين الرصافى بدلا من ذلك فى منصب نائب مدير مكتب التراجم، والذى اعتبره أدنى من قدرته وتاريخه السابق المجيد.
وشعر بالإهمال والإهانة فى هذا الوقت، بينما كان من دعاهم "بالمنافقين والمجردين من المواهب" يتبوءون أعلى المناصب ذات النفوذ. وفى نهاية سنة ١٩٢٢ م وسافر إلى بيروت وقرر ألا يعود إلى العراق، ولكن حينما سمع عن الدعوة لانتخابات أول برلمان عراقى، عاد إلى بغداد، وهناك أصدر جريدته اليومية "الأمل"(من أكتوبر - ٢٠ ديسمبر ١٩٢٣ م) والتى امتدح فى افتتاحياتها السياسة البريطانية فى العراق وحاول أن يمد جسور الود مع الملك فيصل الأول، بيد أنه أصيب بخيبة أمل شديدة، إذ لم يُنتخب كعضو فى البرلمان وفى نهاية سنة ١٩٢٣ م عين مفتشا للغة العربية فى وزارة التعليم، وقام بإلقاء محاضرات فى كلية دار المعلمين فى بغداد فى الأدب العربى، وهى المحاضرات التى صدرت تحت غنوان "دروس فى تاريخ أدب اللغة العربية" فى بغداد سنة ١٩٢٨ م.
وساءت أحواله المالية فى هذه الفترة، وفيها كتب معظم قصائده التى تهاجم بضراوة الملك فيصل الأول وحكومته -وخصوصا المسئولين فى وزارة التعليم- وكذلك البريطانيين. ولم ينشر بعض هذه القصائد وإن زاعت شفويا وانتشرت نسخها اليدوية. وفى قصيدته "حكومة الانتداب"، هجا