المجال الثقافى. ولقد كان لنشاط مراكز التعليم الباهر بين عرب الأندلس حتى نهاية القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى تأثيره، دون شك فى المغرب، ولكن بعد إرتداد شبه الجزيرة الأيبيرة للمسيحية، وهجرة اللاجئين الأسبان إلى المغرب أصبحت بلاد المغرب هى المراكز الإسلامية الوحيدة للدراسات الإسلامية فى الغرب الإسلامى. وعلى أى حال، فبرغم عدد العلماء الكبير نسبيًا الذى خلَّفته هذه البلاد فى سائر العلوم إلا أنها لم تحرز فى نظر باقى العالم الإسلامى الشهيرة والمكانة الثقافية، التى تمتعت بها أسبانيا حين كانت قطرًا إسلاميًا. غير أن المغرب حفل دائمًا بعدد كبير من الأدباء المرتبطين بالتراث العربى القديم ويجب أن نلاحظ أن هذه الثقافة التقليدية التى استمرت على الأقل حتى نهاية القرن التاسع عشر، لم تترك أقل مجال للعلوم الحديثة بها، وقد ظل الشكل المميز لهذه الثقافة، التى بُنيت أساسًا على الدين، دون تغيير. وفى هذا القطر، الذى تنظم التقاليد فيه بصرامة الحياة العامة والخاصة، لا يجعلنا نندهش بأن يظل المفهوم الثقافى على الدوام دون تغيير ويلاحظ حاليًا، أنه حتى الوقت الحالى، يظل الفقيه المغربى سواء كان مدرسًا أو موظفًا فى مكونة الأشراف يحتفظ بنفس المعلومات والمعرفة التى كان عليها فقهاء بنى مرين أو الأشراف السعديين. ولقد تلَّقى التقاليد نفسها وأخذها أيضًا بنفس الطريقة القديمة. فقط حفظ القرآن عن ظهر قلب فى الكتاب، وغالبًا ما أتمه، ودرس بعض النحو. ثم صار بعد ذلك طالبًا، وطلب العلم، الذى ينشده، لا تحكمه قواعد أو يحده برنامج سوى القواعد القديمة -فهو يدرس أولًا "الأُمهات" فى الدين والنحو. ثم بعد ذلك قد يتقدم فى دراسته ويدرس (الشرع) و (الحاشيه) على (المتن). ويكون كل اتجاه دراسته منصبًا على الحصول على معرفة جيدة فى الدين والشريعة. وتكون المحصلة النهائية فى كل حالات تعليم رجال المغرب أن يصبح معظمهم قضاة ومشرعين