الذى يمور بـ "الشيعة" وثورات "الخوارج" المستمرة. ونجح "المغيرة" فى عدم التورط فى الصدام مع "الشيعة" واكتفى بنصحهم بتجنب الانفلات العاطفى. وحرص هذا "الثقفى" المحنك، والذى قارب على الستين، على الاستمرار فى موقعه لينهى فى سلام وشرف حياته الوظيفية المضطربة وقد حرص على استرضاء "معاوية" بحصافته. ولم تنل فتنة المستورد قائد "الخوارج" من رباطة جاشه أو تزعزع من اتزانه، فاستطاع بحذق شديد أن يحرك الشيعة ضد الثوار وتفادى أخطار معظم العناصر التى تهدد النظام فى مقاطعته، بوضعهم فى مواجهة بعضهم البعض، حتى تنفس الصعداء بعد سحق الخوارج.
ونجح "المغيرة" بفضل اعتداله ودهائه ومعرفته حتى يغمض عينيه، فى أن يتجنب اتخاذ الإجراءات العنيفة ضد شعب العراق، الذى كان مصدر الاضطرابات المستمرة، ونجح فى الاحتفاظ بمنصبه، حتى إن رعاياه ترحموا على أيامه بعد رحيله. وفكر "معاوية" فى الإطاحة به، لعدم رضائه عن ممارسته لهذه اللعبة المزدوجة، بيد أن "المغيرة" كان دائمًا قادرا، فى اللحظة المناسبة، على أن يثير الاضطرابات، التى تستدعى استمراره فى الخدمة. ومهد بهذه الطريقة عودة "زياد بن أبية"، الذى خلعه، ويقال أيضًا أنه انتزع كل شكوك معاوية، إذ أشار عليه باستخلاف "يزيد" ليكون الخليفة من بعده ومع تحسن الأوضاع العامة فى العراق بشكل كبير واستقرار النظام، ظاهريا على الأقل، تركه الخليفة فى منصبه حتى وفاته والتى لا يتحدد لها تاريخ مؤكد، والمرجح أنها وقعت بين سنتى ٤٨، ٥١ هجرية (٦٦٨ - ٧١ م)، حيث توفى "المغيرة" متأثرا بالطاعون عن عمر يناهز ٧٠ سنة.