والجدير بالملاحظة أن المرأة دخلت ميدان التجارة، فثمة امرأة أو امراتان مارسا التجارة لحسابهن وعمل رجال تحت إدارتهن كخديجة وأسماء ام أبى جهل وهند زوجة أبى سفيان.
ويحدثنا المستشرق هنرى لامانس Lammans عن مكة كجمهورية تجارية لكن لا بد أن نضع فى اعتبارنا أن المفاهيم السياسية لم تكن إغريقية أو إيطالية وإن كانت نابعة من ظروف بلاد العرب، فهناك إلى جانب اجتماعات العشيرة Clan assemblies ما يعرف بالملأ Senate وهو بمثابة اجتماع لرؤساء العشائر وذوى الرأى منها إلا أنه لم يكن لهذا الملأ سلطة تنفيذية فلا أحد يستطيع أن يوقع عقابًا إلا زعيم العشيرة أو شيخ القبيلة، ولم يكن لمكة رئيس أو دوق، وإن كان يحدث أحيانًا أن يكون شخص ما يحكم ما له من كفاءات -أولوية أو صدارة (كتلك الصدارة التى تمتع بها أبو سفيان طوال ثلاث سنوات بعد هزيمة قريش فى بدر سنة ٦٢٤ م)، وعلى أية حال فإن قريشًا كانت معروفة بالحلم، وهو ما يعنى وضعهم لمصالحهم الاقتصادية فى المقام الأول وقبل الاعتبارات الأخرى، لهذا فقد كان (الملأ) -أى اجتماع الملأ- قادرًا فى الغالب على التأليف بين الجماعات المتنازعة بتحكيم العقل.
لذا فإن معظم ذوى الرأى من قريش كانوا يرون البقاء على الحياد بالنسبة للحروب الدائرة بين عملاقى هذا الزمان: الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية، وكانت كلا الامبراطوريتين تحاولان مد نفوذهما لشبه الجزيرة العربية، وعندما استولى الفرس حوالى سنة ٥٧٠ م أو ٥٧٥ م على اليمن من الأحباش كان من الضرورى أن يظل المكيون على الحياد.
وبعد ذلك ببضع سنين، وكان هذا بعد حرب الفجار تفاوض رجل من أسد اسمه عثمان بن الحويرث مع البيزنطيين واخبر المكيين أنه يستطيع أن يحصل لهم على شروط طيبة تحقق أرباحا تجارية مع البيزنطيين إن هم قبلوه زعيما لهم لكن عرضه لم يحظ بالقبول وكان هذا بلاشك لرغبة المكيين فى البقاء على الحياد بين الفرس