للتحرر بأوسع معانيه، سياسيًا واجتماعيًا وحمل على القصور والتعصب والضيق بالرأى الآخر والطائفية الدينية، ولعل أكبر معبر عن هذه الروح أن يكون أول الأعمال المنشورة فى المهجر بعنوان (طريق الثورة الفرنسية).
أما جبران، فقد بدأ منذ عام ١٩٠٣ م وهو ما يزال فى بوسطن التى لم يغادرها إلى نيويورك إلا عام ١٩١٢ م فى نشر مقالاته فى صحيفة (المهاجر)(١٩٠٣ م) و (الهدى) و (مرآة الغرب) ويبدو أنه كان أكبر تأثيرًا من (الريحانى) وأكثر ميلا لرفض التقاليد بشكل مباشر. ولما كان محبًا للرسم فقد سيطرت الصور الخيالية على كتاباته وأورثه تعليمه وتجاربه حماسًا متأججًا وتوقا للكمال. وينم أسلوبه عن روح شاعرية قريبة من مصادر الصوفية الشرقية التى ورثها الغرب من خلال الحركات الرومانسية المختلفة. وبثّ ذلك فى أوائل كتبه:(عرائس المروج)(١٩٠٦ م) و"الأرواح المتمردة"(١٩٠٨ م)، والأجنحة المتكسرة (١٩١٢ م)، و"دمعه وابتسامه"(١٩١٣ م) ومقالاته يأته التى سبق نشرها فى صحف المهجر وهى (الفنون) و (السائح).
وكان لميخائيل نعيمة -ما كان للريحانى وجبران من نزعة تجديدية. وقد أكسبته دراسته الدينية (اللاهوتيه) التى تلقاها فى روسيا بين عامى ١٩٠٦ و ١٩١١ م تدينًا بالغًا وكان يشبه جبران فى ميله للصوفية التى اعتبرها ضرورية للتحليق فيما وراء الاحساس العضوى وصولا لحقيقة الأشياء. لكنه لم يكن على نفس جيشان المشاعر وتوقد الأحاسيس وقد اتجه لدراسة القانون والآداب فى جامعة أمريكية. وقد مكنه هذا التعليم من تحسين دقة تعبيره، وتحقيق توازن أفضل بين عناصر العمل الفنى، وقد انعش إلمامه بالأدب الروسى من قدرته على التحليل النفسى.
وبهذه الطريقة، تمكن هؤلاء الرجال الموهوبون، إضافة إلى الكتاب والشعراء الذين انضموا إليهم لاحقا من إثبات قدراتهم الأدبية وبعد قرابة أربعين عامًا