مراكش بالوحشية الضارية حتى أن المذابح والاضطهادات التى وقعت على المدنيين دفعت ابن تيمية لأن يتهم الموحدين بأنهم قتلوا آلاف المسلمين الصالحين، ولا يُبرّر ما أحدثوه ما يقولونه إنهم مالكية، ولقد ترتب على هذا تعدّد قيام القبائل والمدن بكثير من الثورات التى أعقبتها هجمات عسكرية على أن طبيعة الاحتلال الموحّدى التى اتسمت بعدم التسامح أدت إلى قيام حركة تطهير (أو كما يسمونها حركة تمييز) بين الموحدين أنفسهم.
بعد أن أقام عبد المؤمن حكومته فى مراكش (٥٤٢ - ٥٤٥ هـ/ ١١٤٧ - ١١٥٠ م) قضى عامين فى ميناء sale وأسس جيشا كبيرا وبدلًا من أن يمضى هذا الجيش رأسا فى اتجاه أسبانيا نراه يزحف شطر المغرب الأوسط وكانت المدن والقرى فى هذا الإقليم فى وضع سياسى محفوف بالخطر شأنها فى ذلك شأن ما فى غيرها فى أفريقية، ذلك أن هجمات قبائل العرب البدوية القادمة من ناحية مصر قد أدّت إلى شلل اعترى الأعمال الاقتصادية والاجتماعية مما سّهل السبيل أمام المسيحيين النرمنديين فى شن هجمات عدوانية ضد المدن الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم اتسم الفتح الذى تم على أيدى الموحدين بالسرعة والسهولة فى كل من الجزائر وقلعة بنى حماد وقنسطنطينة، فتمكنوا من الاستيلاء عليها فى سنة ٥٤٧ هـ (= ١١٥٢ م)، كما انتزعوا من الأفريقيين فى سنة ٥٥٤ هـ (= ١١٥٩ م) مدينة تونس، واستردوا من النرمنديين المهدية وصفاقص وطرابلس التى كانت كلها آخر الفتوحات المؤدية لأول مرة فى أفريقية الشمالية لقيام دولة موحدة يحكمها الموحدون.
ولقد أدركت دولة الموحدين ذروة نجاحها المادى والثقافى زمن ثلاثة من الحكام الذين خلفوا عبد المؤمن الذى مات ٥٥٨ هـ (= ١١٦٣ م) وهؤلاء الحكام هم أبو يعقوب يوسف (٥٥٨ - ٥٨٠ هـ = ١١٦٢ - ١١٨٤ م) وأبو يوسف يعقوب المنصور (٥٨٠ - ٥٩٥ هـ = ١١٨٤ - ١١٩٩ م) ومحمد