ذلك. وهذا مخالف للواقع التاريخى، إذ أن للمسألة أبعادًا اقتصادية لم تحظ بالدراسة الكافية، ولم تكن المسألة فرض جزية حتى على من أسلم وإنما يمكن إيجاز هذه القضية المهمة فى أن قرويين كثيرين هربوا من قراهم وأرضهم مؤثرين حياة المدينة، ورأت الدولة الأموية ألا تعفيهم من (الخراج) وليس (الجزية) رغم هجرهم لأراضيهم لابد -إذن- من التفرقة بين (الجزية) المفروضة على (أهل الذمة) والضريبة المفروضة على الأرض (الخراج) والتى لا علاقة لها بالدين وليس لها -بالتالى- علاقة بالتحول للإسلام لقد كانت (الهجرة) من دار الكفر (القرى) إلى دار الإسلام (المدن المحمية) مقترنة بالتحول للإسلام حتى عهد عمر بن عبد العزيز لكن الحكام الأمويين أرادوا الفصل بين الإسلام والهجرة، لأن هجرة الفلاحين لقراهم كانت مدمرة لاقتصاد الدولة، ومن ثم لم يعفوهم من الخراج حتى إن هجروا قراهم، ومن هنا اختلط الأمر على المؤرخين. لقد اتخذ بنو أمية -فى غالبهم- سياسة صارمة مع هؤلاء الفلاحين الذين هجروا قراهم بصرف النظر عن إعلانهم الدخول فى الإسلام، وعاملوهم معاملة الهاربين، وأعادوا توطينهم -قسرًا- فى قراهم، خاصة وأن معظمهم كان غير صالح للخدمة العسكرية.
ولا نرى صحيحًا ما كتبه بعض الباحثين عن تحيز الدولة الأموية ضد غير العرب فقد عين الحجاج به يوسف المعروف بالشدة خاصة مع الفلاحين الهاربين أول قاض غير عربى بالعراق بل لقد عين -فى سابقة غير معهودة- أحد الموالى على الشرطة، وإذا كان الموالى -فى الجيش الأموى- يشكلون قسمًا (فيلقًا) بذاته غير مندمج مع العناصر الأخرى فذلك لا يرجع "للتمييز" و"الفصل العنصرى" أو حتى "التفضيل" وإنما لأن ذلك -ببساطة- كان يتسق مع طبيعة التركيب القبلى للجيوش الإسلامية، وعندما تم إلغاء هذا التقسيم بعد ذلك -فقد كان الأمويون أنفسهم هم الذين قاموا بإلغائه وليس أبو مسلم الخراسانى كما يقال. ولم يحدث أبد، أن ثار الموالى (غير العرب) مطالبين بالمساواة فى العهد الأموى بل لقد اتخذ أعداء الأمويين من قضية (المساواة) هذه زريعة للمعارضة السياسية، ولا يوجد