أن فترة حكم الناصر الثانية شهدت إبعاد الأخطار الخارجية التى كانت دافعًا لتقوية المماليك عسكريًا وسياسيًا وفى نفس الوقت كان السلطان الشاب ينمى مجموعته العسكرية المعروفة باسم المماليك الناصرية الذين كانوا يزدادون قوة تحت قيادة الأميرين سلار وبيبرس، ولقد أحبطت محاولة لاستخدام المماليك الناصرية فى إحداث انقلاب وتصالح السلطان مع نوابه فى محرم ٧٠٨ هـ/ يوليو ١٣٠٧ م وبدأ حينئذ يستعين بحيلة أخرى، ففى رمضان من عام ٧٠٨ هـ/ فبراير ١٣٠٩ م أعلن عزمه على الحج وترك القاهرة فى حراسة المماليك الناصرية، وبوصوله إلى الكرك حصن القلعة بمماليكه، وربما أعلم نوابه باعتزاله العرش، وعلى أية حال كان العرش خاليًا ونودى بيبرس سلطانًا بلقب "الملك المظفر" بينما ظل سالار فى منصبه كنائب للسلطان.
وكانت هناك انقسامات تحت السطح وكانت المماليك البرجية أقوى مجموعة فى القاهرة، وتجمعت المماليك الجراكسة تحت قيادة قلاوون وقرروا أحد بنى جلدتهم "بيبرس" كسلطان مكان سلار المغولى، وظهر هذا التعصب الجنسى فى سوريا كذلك حيث تدعم النظام الجديد بواسطة حاكم دمشق الجركسى "اقاش الأفرم" بينما كان قابدجان (كبتشاق) المنصورى وإلى سماه واساندا موركورجى (من جورجيا) وإلى طرابلس وقاراسونقود المنصورى وإلى حلب يتراسلون سرًا مع الناصر الذى ترك الكرك فى أول شعبان من ٧٠٩ هـ/ ٤ يناير ١٣١٠ م ودخل دمشق دون مقاومة بعد ١١ يومًا فترك بيبرس العرش وهرب. وفى يوم ٢ شوال ٧٠٩ هـ/ ٥ مارس ١٣١٠ م أعيد الناصر مرة ثانية إلى العرش، وانشغل فى الواحد والثلاثين سنة التالية من ملكه بتأمين حكمه، فبدأ بالتخلص من خصومه، وأحضر بيبرس إلى القاهرة ليلة ١٤ ذو القعدة من عام ٧٠٩/ هـ ١٥ أبريل ١٣١٠ م حيث شنق على الفور، وسمح لسالار بالاعتزال فى الشوبك ولكنه استدعى إلى القاهرة حيث قبض عليه وأعدم، وكان الساعون إلى الملك يتنافسون بالرغم من أنه