النساء، ومن ذلك حديث عبادة الذى حدد فيه الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] عقوبة الزنا للنساء بالجلد لغير المحصنة والجلد ثم الرجم للمحصنة. وتشير الأقوال بعد ذلك أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] طبق عقوبة الجلد والرجم على النساء والرجال بعد ذلك، وأقوال أخرى تفيد أن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] قد أسقط الجلد واكتفى بالرجم. وفى رد الشافعى على هذا الموقف قال بأن حديث عبادة هو أول ما روى عن الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بعد الآية من سورة النساء، فهو نسخ لها. وأما ما قام به الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] من إسقاط الجلد فهو تخصيص للعقوبة الواردة فى حديث عبادة وهو نسخ للسنة بالسنة، رغم أنه اعترف بأن حديث عبادة هو مثال على نسخ القرآن بالسنة.
وفى الرد على إنكار الرجم على أساس أنه لا توجد عقوبتين فى كتاب اللَّه، يورد مالك حديثا لعمر بمقتضاه أن آية الرجم كانت موجودة فى القرآن، وأنها كانت تتلى فى الصلاة (ونصها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه)، وعمل بموجبها الرسول [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وأبو بكر وعمر وأن عمر لم يشأ أن يضيفها حتى لا يتهم بأنه غير فى كتاب اللَّه. وجمهور الفقهاء قبل وبعد الشافعى مقتنعون بأن الرجم هو حالة من حالات نسخ القرآن بالسنة، وقد فشل الشافعى فى رفضه لذلك أن يبرر المصدر لعقوبة الرجم فى الفقه، وهو ما حدا بشاخت إلى القول بأن أساس نظرية الشافعى حول هذه القضية قد انهار.
وقد قال بعض الفقهاء الذين تأثروا بفكر الشافعى إن حديث عمر يستخلص منه نوع ثالث من النسخ، وهو النسخ للنص مع الإبقاء على الحكم.
ويستند الشافعى على هذا النوع الثالث للنسخ فى قضية عدد الرضعات المشبعات فى الرضاعة المحرمة للزواج، فقد ورد عن عائشة قولها إنه كان هناك نص قرآنى بتحديد عدد الرضعات بعشر، ثم نزل نص آخر بجعلها خمسا، وقد رفض مالك هذا القول بصرامة لكونه منافيا لما جرى عليه العمل، أما الشافعى فقد جعل منه أساسًا لفقهه. هذا النوع الثانى من نسخ التلاوة دون الحكم، يمكن أن ينسب إلى الشافعى.